العملاء في نظر "الشاباك"
د. أيمن أبو ناهية
أهم ما يعتمد عليه الاحتلال الإسرائيلي من وسائل مضمونة في تغذية أجهزته الاستخبارية، وجمع المعلومات لملاحقة المقاومين الفلسطينيين هم العملاء (المتخابرون)، في حين أنه يقلل من أهمية الاعتماد على الوسائل الإلكترونية في الحصول على المعلومات الاستخبارية، وبذلك يركز على تجنيد أكبر عدد ممكن من العملاء في المناطق الفلسطينية، الذين يعدهم الأقل تكلفة والأسرع أداء للمهام والأكثر دقة في تنفيذ الأهداف العدوانية، وهذا اعتراف من آفي ديختر الذي شغل في الماضي منصب رئيس جهاز "الشاباك"، أنه يعتمد اعتمادًا كليًّا في جمع المعلومات على المصادر البشرية المتعاونة معه، لأنها تكون في الغالب معلومات حيوية وأكيدة ورسمية يمكن الاعتماد عليها مائة من المائة أكثر من المعلومات التي يمكن الحصول عليها بالوسائل الإلكترونية، كأجهزة التنصت والكاميرات المرتبطة بالأقمار الصناعية، التي تحتاج إلى الرجوع أيضًا إلى العملاء للتفسير والاستفسار والتأكيد.
تعتمد أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية معايير غير أخلاقية ووسائل قذرة في تجنيد العملاء من بين الفلسطينيين، وهو ما يعتمده "الشاباك"، في استدراج الشباب الفلسطينيين إما بالإسقاط المباشر من طريق شبكات تنظيم العملاء بممارسات غير أخلاقية كإغراءات جنسية ومادية، أو بالإسقاط غير المباشر من طريق شبكات الإنترنت والتواصل الاجتماعي و"الماسنجر"، وبعد ذلك يخيرهم عناصر "الشاباك"، بين العمالة، والفضيحة، أو استعمال وسائل أخرى كالحاجة للحصول على تصاريح العمل، أو العلاج، أو السفر للخارج من أجل الزيارة أو مواصلة التعليم أو التجارة .. إلخ، وهذه الأمور مرهونة بموافقتها، حتى تستطيع مساومتهم وابتزازهم لإجبارهم على التعامل مع أجهزتها الاستخبارية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة أو خارجها.
ومنذ عام 2005م، تحديدًا بعد دحر الاحتلال عن قطاع غزة، ونقل قرية الجواسيس التي تعرف بـ"دهنية" من القطاع إلى شمال النقب المحتل، يحاول الاحتلال أن يخفي فضائحه، وأن يبعد تلك القرية بأسرارها عن وسائل الإعلام، لأن نشر صور تلك القرية ومعاناة سكانها يضر كثيرًا بأجهزة المخابرات الإسرائيلية، ويعطل مشاريعها في إيقاع الفلسطينيين بوحل العمالة، وستكون ضربة قاسية لها.
فبعد إسقاط ضباط "الشاباك" العملاء يسعون سعيًا متواصلًا لإيهامهم بضمانات كاملة تضمن لهم سلامتهم وسلامة عائلاتهم من أي أذى يمكن أن يلحق بهم، إذ ينسجون سلسلة من الأكاذيب والقصص الوهمية حول حماية المخابرات الصهيونية المتعاونين معها الذين يبيعون أوطانهم وأهلهم وكل ما هو غال وعزيز، إذ يدعي الضباط أنه لا يمكن أن تتخلى دولة الكيان عمن يقدم لها يد العون، وكل ذلك يهدف لإعطاء العميل نوعًا من الطمأنينة الخادعة التي تساعد العملاء على حسم أمرهم والوقوع ضحية لثعلب الشاباك، الذي ينظر إلى العميل نظرة مصلحة مرتبطة بمدة محددة تنتهي بمجرد اكتشاف أمره وانتهاء صلاحيته لخدمة الكيان المزعوم، ولا أدل على ذلك من قصص عشرات العملاء الذين باعوا أنفسهم ودينهم وشعبهم من أجل إغراءات زائفة وعند انكشافهم تنكرت لهم المخابرات، فإما تركتهم ليواجهوا مصيرهم الذي يرسمه القضاء، أو تخلت عن رعايتهم ليتضوروا جوعًا، وكثير منهم ذهب إلى الانتحار أو الاشتراك مع عصابات الاجرام لينتهي بهم الأمر إلى السجن.
لكن رغم ما يقال ويشاع عن عبقرية الاستخبارات الإسرائيلية في بلوغ أهدافها، هي هراء، ودعاية نفسية تسوقها شبكات العملاء أنفسهم، لتخيف وترعب بها المقاومة بهدف النيل من معنوياتها وصمودها، وتعد أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية هذه الدعاية النفسية وسيلة ردع ناجعة أكثر من وسائل الردع الحربية، وتبقى الحقيقة خير برهان على أن المقاومة الفلسطينية هي الرادع الحقيقي لعملاء أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، وخير دليل هو تراجع أعداد العملاء في قطاع غزة في هذه السنة عن السنوات السابقة، حسب ما أعلنته مجددًا وزارة الداخلية في غزة، بسبب ملاحقتها المستمرة لشبكات العملاء وعملها الدؤوب في تفكيكها بعد اختراقها.
الاحتلال لا يكترث كثيرًا لعملائه، ومن تقبض المقاومة عليه منهم تتركه ليواجه مصيره وحده، ومن يفرّ ويلجأ إليه يبقيه تحت الذل والإهانة حتى يموت؛ فقرية العملاء هي شاهد حي على معاملة أجهزة الاستخبارات الصهيونية لعملائها الفلسطينيين والعرب، وطالما كانت تسعى إلى إخفاء فضائحها بتلك القرية حتى لا يخاف عملاؤها هذا المصير، لكن ذلك كشف.