تدق مؤشرات محلية ودولية عدة ناقوس الإنذار، لما يتعلق الأمر بنسبة الفقر التي توصف بأنها مرتفعة في فلسطين، وترتبط بذلك تساؤلات مُلحة يجيب عنها المدير العام للتنمية والتخطيط في وزارة التنمية الاجتماعية بقطاع غزة، د. رائد أبو داير، وأبرزها: كم بلغت هذه النسبة؟، وما سببها؟
وبلغت نسبة الفقر في قطاع غزة، وفق أحدث الإحصائيات التي تعدها وزارة التنمية الاجتماعية بغزة شهريًّا، 53%، أما في الضفة الغربية فـ15%.
ويُرجع أبو داير في حديث مع صحيفة "فلسطين" الفرق في نسبة الفقر بين غزة والضفة إلى عوامل عدة، أبرزها الحصار الإسرائيلي المشدد على القطاع منذ 13 سنة، وإجراءات السلطة في رام الله بحقه، المتمثلة في منع المساعدات المالية عمومًا، وقطع رواتب موظفين لها، والخصومات المالية، والتضييق على المؤسسات الدولية عمومًا، والمؤسسات ذات العلاقة بالمنح المالية، ومنح التشغيل خصوصًا.
ولا تزال السلطة في رام الله ملتزمة باتفاقياتها الاقتصادية مع الاحتلال الإسرائيلي، التي أثرت كثيرًا في الواقع الاقتصادي الفلسطيني، وجعلته في تبعية مستمرة للاحتلال.
فمثلًا عندما تريد السلطة استيراد النفط من العراق، يجب عليها تقديم طلب للاحتلال بذلك، حسب اتفاقية باريس الاقتصادية التي جاءت عقب اتفاق أوسلو، وفقًا لـحديث "أبو داير".
ومع اقتراب اليوم الدولي للقضاء على الفقر الذي يحل في 17 تشرين الأول (أكتوبر) سنويًّا، يقول أبو داير: "أعتقد أن الاتفاقيات الاقتصادية هي جزء من حالة الالتفاف على الحرية الفلسطينية المالية، وحالة التضييق على الكل الفلسطيني".
ولا يختلف اثنان في أن الواقع الصعب الذي يعيش فيه قطاع غزة سببه الرئيس هو الاحتلال الإسرائيلي، فهو يريد النيل من صمود الشعب الفلسطيني لاحتضانه مشروع المقاومة، واحترامه نتائج صناديق الانتخابات عام 2006م، فبعد ذلك التاريخ بدأ العالم يتعامل مع القطاع بمبدأ الحصار تساوقًا مع رؤية الاحتلال، وفقًا لحديث أبو داير.
وأثرت سياسة الاحتلال هذه سلبًا على غزة، حيث زادت نسب الفقر، وبات كثير من الطلبة لا يستطيعون الالتحاق بالجامعات بسبب الأوضاع الاقتصادية والحصار.
وأثر الحصار تأثيرًا مباشرًا في مستوى الخدمات، والإنتاج، إذ أغلقت العديد من المصانع بفعل قلة السيولة الاقتصادية في قطاع غزة، ولم يستطع أصحابها إعادة تشغيلها، بسبب عدم وجود مال من جهة، ولعدم قدرة القطاع الخاص على إدخال التقنيات الخاصة بالصناعات من جهة أخرى.
"كذلك أثر الحصار مباشرة في مناحي الحياة بقطاع غزة كافة، حتى بات الاحتلال يتحكم في نوعية المصانع التي يمكن إقامتها في القطاع، فهناك مصانع مسموح بها، وأخرى ممنوعة" يضيف أبو داير.
لكنه يبين أن الغزيين واجهوا الحصار بالكثير من الأفكار والإبداعات والمبادرات، التي وضعت ضمن الخطة التنموية للحد من آثار هذا الحصار.
قرارات ضد غزة
وبخصوص أبرز المعيقات التي وضعها وزير التنمية الاجتماعية في حكومة د. محمد اشتية في رام الله أحمد مجدلاني أمام عمل الوزارة بغزة، يؤكد أبو داير أن قرارات السلطة برام الله ضد غزة تأتي في إطار النظام الذي تنتهجه منذ 2007م وعملت على تطبيقه تدريجًا، بدءًا بالتضييق المالي، ومرورًا بالمساهمة في منع البضائع، وصولًا إلى التضييق على الفئات المهمشة التي تتلقى شيكات الشؤون الاجتماعية في القطاع.
"إجراءات السلطة لها دور كبير في ضرب مجالات الحياة كافة بقطاع غزة، والسلطة تجاهر بذلك للعلن، حتى إن بعض الأطراف الإقليمية حاولت رسميًّا تقديم الدعم لفقراء غزة، لكن موقف السلطة كان سلبيًّا، بل أرسلت رسائل رسمية لمنع تحويل الأموال وتنفيذ المشاريع" يضيف أبو داير.
ويتساءل: "لماذا مجدلاني في هذا الوقت تحديدًا الذي تعاني فيه غزة أشد المعاناة -وتحت أي ذريعة- سيّس العمل الاجتماعي والتنموي، الذي هو أساسًا عمل إنساني، واتخذ إجراءات لا أحد حتى اللحظة يفهم سببها؟!".
ويذكر أن مجدلاني طلب من 91 من موظفي الوزارة مغادرة أماكن عملهم في حزيران (يونيو) الماضي دون سابق إنذار، بزعم ممارسة ما أسماه "ضغوطات" عليهم، وهو ما نفاه وكيل الوزارة د. غازي حمد آنذاك.
في السياق يقول أبو داير: "سحب عشرات الموظفين الذين يعملون في مناطق خدمية مهمة، مثل: الفقراء ورعاية ذوي الإعاقة ومراكز التدريب المهني والبحث الاجتماعي؛ أدى إلى إرباك في عمل الوزارة، ولكن تجاوزنا هذا الأمر لكون الملف إنسانيًّا" مؤكدًا أن الوزارة بغزة تعمل دومًا على تحييد عملها عن أي ملف سياسي.
ويتابع: "مجدلاني اتخذ إجراء أخطر، وهو حجب البرنامج الوطني الذي من شأنه تغذية المعلومات وتقديم تقارير كاملة للمؤسسات الدولية والاتحاد الأوروبي، عن حالات الفقر والاحتياجات"، هذا فضلًا عن عشرات الحالات التي حجبت من كشوفات الشؤون الاجتماعية دون أسباب حقيقية، وفق قوله.
ويؤكد أبو داير وجود شركة تدقيق دولية تشرف على ملفات الشؤون الاجتماعية، وتقدم تقاريرها للجهات المانحة، ولا أحد في غزة يتدخل في عملها.
ويلفت إلى وجود وساطات حاولت الجمع بين أركان الوزارة في الضفة وغزة، وهو ما استجابت له الوزارة بغزة، لكن الرفض كان من الجهات المسؤولة في رام الله.
التغلب على العقبات
"هدفنا الإستراتيجي تنمية المجتمع وإغاثة الأسر الفقيرة، ومصرون على تحقيق هذا البعد الإنساني رغم انعدام الإمكانات" بهذا يبدأ أبو داير إجابته عن سؤال: كيف تتغلب الوزارة بغزة على العقبات؟
ويتابع: "الوزارة شأنها شأن باقي وزارات الخدمات في قطاع غزة، تعمل ضمن رؤية حكومية متكاملة، هذه الرؤية هدفها خدمة المواطن، بل تُعد الوزارة الأكثر أهمية من حيث تقديم الخدمات للمواطن".
ويبيّن أن الوزارة بغزة لديها إجراءات عدة للتغلب على العقبات، أبرزها التواصل مع عدد لا بأس به من المؤسسات ذات العلاقة، من أجل توفير مشاريع وبرامج إغاثية مختلفة تنفذ دوريًّا.
فيستفيد من البرنامج الوطني نحو 70 ألف أسرة فقيرة، إضافة إلى تقديم مكافآت لعوائل الشهداء والجرحى تبلغ نحو 420 ألف شيكل شهريًّا، وكذلك توفير مساعدات مالية طارئة لمئات الأسر الفقيرة.
أما احتياج الوزارة لأداء عملها على النحو المطلوب فيتمثل -وفقًا لحديث المدير العام للتنمية والتخطيط- في المزيد من تعزيز العلاقات مع مؤسسات المجتمع المدني عامةً، والمؤسسات الدولي خاصةً، من أجل فتح آفاق لزيادة عدد الأسر الفقيرة المستفيدة.
كما أنها بحاجة إلى تطوير أداء مراكز التدريب، وإيجاد شراكات مع القطاع الخاص في برامج تدريبية مهنية متطورة، وأخيرًا التشابك الإيجابي مع الوزارات العاملة في قطاع غزة كافة، من أجل تكوين شبكة المعلومات الكاملة حتى تستطيع تقديم الخدمة الأسرع والأجود في أقصر وقت.
ويعدد أبو داير أبرز احتياجات الفقراء في غزة، ومنها: الإغاثة بمختلف أنواعها (المساعدات الطارئة، والمساعدات النقدية، والقسائم الشرائية)، والتأمين الصحي، ثم الوحدات السكنية.
ولدى الوزارة بغزة كثير من الخططللحد من نسب الفقر، لكن جزء منها يصطدم بجدار الحصار الإسرائيلي الذي يمنع إدخال بعض المعدات، وأحيانًا دخول الوفود الأجنبية.
ومن الخطط العملية التي شرعت الوزارة في تنفيذها برنامج الشراكة مع المؤسسات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني، وكذلك البرنامج الموحد للجمعيات الخيرية العاملة في قطاع غزة، الذي من شأنه تقديم قاعدة البيانات الخاصة بالمستفيدين من المساعدات للمؤسسات كافة.
ومن طريق هذا البرنامج تستطيع المؤسسة التعرف إلى آلية توزيع المساعدات، كما يساعد هذا البرنامج على بناء خطة جغرافية لعمل الوزارة، بحيث تصل إلى مرحلة أن تستفيد جميع الأسر الفقيرة من المساعدات.
ومن الخطط أيضًا التي تعدها الوزارة حاليًّا خطة للعمل على مشروع التسويق الشبكي من قطاع غزة إلى العالم الخارجي، بحيث يمثل مصدر دخل للأشخاص المستهدفين.
كما تعمل على تطوير البرامج التنموية، بمساعدة الوزارات ومراكز التدريب المهني المختلفة.
ويكمل أبو داير حديثه عن دور المؤسسات الدولية تجاه الفقراء في غزة، قائلًا: "إنها تبذل جهودًا مهمةً، لكنها ليست بالقدر الكافي الذي يسد احتياجاتهم".