فلسطين أون لاين

​فاقد الشيء لا يعطيه أم أفضل مانح له؟

...
البيئة الثقافية والفكرية لها دور أساسي وكبير في تشكل المعتقدات
غزة/ هدى الدلو:

"فاقد الشيء لا يعطيه" مقولة تطرق آذاننا دومًا، وقد تسبب الأذى النفسي لبعضٍ، ولكن ما مدى صحتها؟، وهل هي مطلقة في جميع الأحوال؟

فهل –مثلًا- فاقد الخلق الحسن من الصعب أن تنال منه هذا الخلق، وفاقد العلم والمعرفة يستحيل أن يمنحك إياهما؟

"برأي ومن تعاملي مع شرائح مختلفة في المجتمع، المقولة ليست مطلقة، لأن الأمر يرجع إلى ذات الشخص وإنسانيته، فأنا ضد المقولة قلبًا وقالبًا"؛ والكلام هنا للشابة سماح سمارة (30 عامًا).

وتضيف سمارة لصحيفة "فلسطين": "مثلًا على صعيدي الشخصي، أعمل مهندسة ديكور، ولا أملك بيتًا، ولكن أزود الزبائن بأجمل التصاميم والديكورات، فأحيانًا الحياة تضعنا في طريق يجب أن نسير به، ولا مجال للتفكير في طريق مغاير".

أما الشاب كرم مسعود (28عامًا) فيرى أن من يؤمن بعبارة: "فاقد الشيء لا يعطيه" ففي الغالب يهدف من ورائها إلى "بث مشاعر اليأس والتسليم بالواقع" في نفوس الناس، ويؤمن بأن الحياة تقوم على الأخذ فقط دون العطاء؛ وفق اعتقاده.

كما يرى أن المؤمن بهذه المقولة "سيسبب الأذى النفسي للناس، ويجعلهم أسرى لفكرة تحرمهم إخراج الجميل في نفوسهم، والرضوخ لواقع سلبي بسبب تكرارها؛ فتتحطم هممهم، ويسلموا بما هو عندهم دون السعي نحو الأفضل".

كذلك سجى أمين (33 عامًا) تعتقد أن هذه المقولة ليست صحيحة، إذ ترى أن فاقد الشيء يعطيه، لأن الحرمان في الصغر يدفع الشخص نحو التعلم لتعويض ما حرم منه، ولكن الأمر ليس سهلًا، لأنه سيضطر الفرد إلى معارضة الظرف الذي عايشه، أو سلوك تعود عليه سنوات، ولكن الأمر يحتاج إلى مجاهدة نفس.

وتعد أمين فاقد الشيء أفضل مانح له، فعندما يمد الشخص الآخرين بما لم يشعر به، ولم يتذوق حلاوته؛ فإنه سيشعر بالمتعة التي كان يريدها.

وتطرح أمين مثالًا، قائلة: "يتيم الأب والأم قد نجده في قمة الحنان والعطف مع أبنائه، أو المحروم الأبناء نجده في منتهى الرحمة والرأفة مع الأطفال الآخرين".

لكن الشاب عبد الله عوض يبين أنه يتوافق مع هذه المقولة "بعض الأحيان"، مفسرًا: "فاقد الأمل لا يمكن أن يعطيه لأحد، ولكن في الأغلب الأمر ينطبق على الأمور الملموسة والمحسوسة، أما إذا تعلق الموضوع بالمشاعر فأعتقد أن الأمر مختلف بعض الشيء".

"اضطرابات نفسية وسلوكية"

من جهته يقول الاختصاصي النفسي والاجتماعي حسن عيوش: "هذه المقولة ليس لها أي أساس من الصحة، بل هي مغلوطة، إذ نشاهد في كثير من الأحيان أشخاصًا فقدوا آباءهم وهم رضع أو أجنة وكانوا خير الآباء لأبنائهم، وكذلك شاهدنا مدربي كرة قدم تألقوا في عالم التدريب، ولم يكونوا يومًا لاعبي كرة قدم مثل جوزيه مورينيو".

ويوضح لصحيفة "فلسطين" أنه بالفعل أحيانًا نشاهد أن فاقد الشيء يقدمه أفضل من غيره، وقد يرجع ذلك إلى أنه يشعر بالقيمة الحقيقية لذلك الشيء، وفي الوقت نفسه هو تأقلم مع تلك الظروف ولم يشعر بالعجز أو النقص.

ويلفت عيوش إلى أن الاختلاف بسبب طبيعة الشخصية، وثقافتها، فإن البيئة الثقافية والفكرية لها دور أساسي وكبير في تشكل المعتقدات والأفكار، مكملًا: "وهذا لا يعني إنكارنا وجود تأثيرات غير إيجابية لدى فاقد الشيء قطعًا، لكن هناك القليل قد يصاب باضطرابات نفسية أو سلوكية، أو بعض الأمراض النفسية كالاكتئاب".

"في المقابل -يتابع- من التأثيرات الإيجابية لفاقد الشيء أنه يكون مصدرًا لمنح الإرادة والعزيمة والإصرار وعدم اليأس، لكن للتنبيه هناك استثناءات، مثل: علوم القرآن والتجويد، فمن لا يمتلكها لا يستطع تعليمها وتقديمها للآخرين، لكن يمكن أن ينصح بتعلمها".

ويتمم الاختصاصي النفسي والاجتماعي: "إن فاقد الشيء هو أكثر إنسان يعرف قيمة ما فقده، ومدى حاجة الناس إليه، والمشاعر التي تعتريه بسبب ذلك، ما يعني أنه سيكون أول شخص يمد يد المساعدة".