من أمام مبنى ثلاجات الموتى في مستشفى الإندونيسي شمال قطاع غزة انطلق موكب تشييع الشهيد فادي أسامة حجازي من بلدة بيت لاهيا، وصولاً لبيت جده في أبراج الندى، لإلقاء نظرة الوداع قبل أن يوارى الثرى.
في هذه اللحظات كان والده الخمسيني يقف أمام منزل العائلة، يستقبل المُعزين.
خلسةً، استأذن مراسل صحيفة "فلسطين" الوالد للحديث عن شهادة نجله الذي توسط تسعة من الأبناء والبنات.
لم يستطع الوالد حبس دموعه التي انهمرت راسمةً خطين برقا فوق تجاعيد وجهه القمحي.
"أصيب فادي أكثر من مرة خلال مشاركته في مسيرات العودة وكسر الحصار، مرة بالرصاص المطاطي، ومرتين بالمعدني" قال الوالد.
"حجازي" ذو ٢١ ربيعًا كان من أوائل المتظاهرين المحافظين على حضور مسيرات العودة كل جمعة.. كان الوالد يحاول دومًا منع نجله من المشاركة في المسيرات خوفًا عليه من الإصابة، إلا أن إصرار فادي على موقفه كان أقوى.
وينقل الوالد حديثه مع نجله: "يابا ما تروح على المسيرات".
فادي: "أنت بتقولي بدي أزوجك، وأنا بدي أروح لعند ربنا في الجنة، وهناك ربنا يزوجني 72 حورية، أنا ما بأقطع فرض".
الوالد: "يا ابني يا حبيبي علشان خاطري ما تروح بدنا نفرح فيك".
فادي: "أنا مش لحالي على الحدود، هي كل شباب الحارة بتطلع، إذا مكتوب لي عمر بأرجع، بس أنت ادعيلي تكون الرصاصة هنا -ويشير إلى جبينه".
يضرب الوالد كفه على جبينه ويقول: "والله مش خسارة في ربه، كان عاقل ومحترم، كل الجيران تحبه، وهو يحب الكل، عمره ما أذى حدا، وكان أحب أعماله يلاعب أطفال الحارة، كان عطوفا جدًا عليهم".
"وسيم الشكل، سليم القلب، ودود التعامل، إني وهبته لربنا، وأحتسبه من الشهداء" يضيف الوالد.
ولن ينسى الوالد الذي يعاني من مشاكل صحية في القلب، بر فادي به سابقًا إخوانه في الحنو عليه، إذ كان يداوم قبل الخلود إلى النوم يوميًا تحت قدمي والده ويضل يُدّلكهما حتى يُطببهما له وينام الوالد.
إهمال طبي
ويتهم الوالد الأطباء بالإهمال الطبي نحو نجله، الذي أصيب في فخذه الأيمن، قائلًا: "شرايينه كانت مسددة وهذا أدى لنزيف داخلي، أخدته على المستشفى ولما كشفوا عليه اعطاه الدكتور إبرة وقله روّح".
وفي آخر ليلة لفادي في الحياة، رافقه والده في المستشفى بعدما استنفد سبل علاجه كافة، يقول الوالد: "كنت أنظر إليه وقلبي حاسسني إني راح أودعه".
وفي تلك الأثناء انقطع وصول الأكسجين إلى دماغ فادي، وأصيب بجلطات في القدم، حتى فقد الوعي، ولم يستيقظ بعدها.
"ابني نال ما تمنى، الله يرحمه ويتقبله، أنا راضي عنه" بعد هذه الجملة لم يستطع الوالد تمالك مشاعره التي فجرت دموع من حوله وأنهت المقابلة.
فادي ينتمي لعائلة فقيرة تقطن وحدة سكنية في أبراج جحر الديك شرق مدينة غزة، حصلت عليها ضمن المنحة الكويتية التي وزعت على فقراء القطاع مؤخرًا.
ويقول فادي الدرة أحد جيرانه في البرج الذي يقطن فيه: "فادي من أكثر الجيران أدبًا واحترامًا في البرج، لم يسبق رأيت منه خطأً".
ويضيف الدرة لـ"فلسطين": "أكثر ما كان يحدثنا به فادي شوقه للشهادة في سبيل الله، والآن هو نالها كما تمنى".
بارتقاء "حجازي" يرتفع عدد الشهداء من المشاركين في مسيرات العودة وكسر الحصار التي انطلقت بتاريخ 30 آذار/ مارس 2018 إلى (314) شهيدا وفقا لإحصائية وزارة الصحة بغزة.