من المعروف أن الكف لا تلاطم المخرز، لكن في قطاع غزة الكف تلاطم المخرز، وهذا مثال واضح لما يحصل في غزة الآن، بعد ارتقاء عدد كبير من الشهداء وإصابة المئات؛ نتيجة اعتداءات قوات الاحتلال على المتظاهرين في مسيرة العودة وكسر الحصار شرق القطاع، منذ أن انطلقت في يوم الأرض في الثلاثين من مارس العام الماضي.
فمنذ بداية انطلاق مسيرات العودة وكسر الحصار يرتقي شهيد وراء شهيد، إلى أن أصبح أكثر من 300 شهيد وأكثر من 7000 جريح، كل هذه التضحيات من أجل وصولها إلى مبتغاها وتحقيق أهدافها المرجوة، ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن مسيرة العودة تهدف، كما يؤكد منسقوها، إلى تنفيذ وتطبيق حق العودة لستة ملايين ونصف مليون لاجئ فلسطيني إلى وطنهم.
بعد الهواجس الإسرائيلية المشار إليها من استمرار مسيرة العودة، وتوسيع إطارها المكاني والزماني والشعبي في شكل مدروس، تبرز إلى الأمام أسئلة عديدة، في المقدمة منها: هل تحقق المسيرة أهدافها المتشعبة، وفي المقدمة حق اللاجئين بالعودة إلى ديارهم؟ صحيح أن الشعارات التي رفعها منسقو المسيرة محقة وعادلة، وتستند إلى قرارات دولية في مجملها، لكن ثمة مخاوف من عدم رسم الخطوات اللاحقة للحراك الشعبي في شكل منهجي ومدروس، ولهذا لابد من دعم الحراك في مستويات عديدة، في الجانب السياسي تتطلب الضرورة دعمًا مطلقًا من الفصائل والقوى والأحزاب الفلسطينية كافة لمسيرة العودة نوعًا كفاحيًّا جديدًا له بعده الشعبي، ولهذا يجب دعم الحراك الشعبي لكونه يخدم أهداف النضال الفلسطيني، وإلى جانب ذلك تتطلب الضرورة أيضًا إبداء المشورة والنصح من شخصيات متخصصة في القانون الدولي، وأصحاب الرأي والفكر لترشيد الحراك الشعبي الفلسطيني بحلته الجديدة (مسيرة العودة الكبرى وكسر الحصار).
اللافت أن لمسيرة العودة الفلسطينية صدى مدويًا في الساحة السياسية الإسرائيلية، حيث أشار الخبير الإسرائيلي في شؤون الإعلام والأمن يوني بن مناحيم "إلى أن هناك عدة أهداف يسعى الفلسطينيون إلى تحقيقها رزمة واحدة من مسيرات العودة على الحدود في قطاع غزة، جنبًا إلى جنب مع ابتكارهم طرقًا جديدة وحيوية لانتفاضة من نوع آخر، وإستراتيجية تهدف إلى تسخين الحدود لإلغاء صفقة القرن"، وعدها بن مناحيم "إستراتيجية جديدة للمقاومة الفلسطينية، بعد انتفاضات الحجارة والسكاكين والسلاح الناري، وقد أتى الدور اليوم على انتفاضة الجماهير المحتشدة في تظاهرات ذات طابع سلمي، وبذلك ارتدت الفصائل الفلسطينية زيًّا جديدًا من الثورة الشعبية".
ومن الأهداف التي حددها الخبير الإسرائيلي عودة القضية الفلسطينية وحق العودة للفلسطينيين إلى أجندة السياسة الإقليمية والدولية، والتسبب بإحراج (إسرائيل) في الساحة الدولية، لأن الفلسطينيين نجحوا بتصوير جيشها يطلق النار ليقتل الفلسطينيين، هذا فضلًا عن إعادة موضوع حصار غزة والأزمة الإنسانية فيها من جديد إلى صدارة الاهتمام العالمي، وإن لمسيرة العودة هدفًا مهمًّا يتمثل في وضع المزيد من العقبات أمام صفقة القرن للرئيس الأميركي دونالد ترامب، بتحويل حدود غزة الشرقية والجنوبية والشمالية إلى مراكز احتكاك جديدة بين الفلسطينيين والجيش الإسرائيلي، بغية استعادة الطابع الشعبي للصراع الذي يخوضه الفلسطينيون.
وتخوف الخبير الإسرائيلي من تمكن الفلسطينيين في قطاع غزة من إيصال رسالتهم إلى مجلس الأمن والجامعة العربية، وبذلك الضغط لعقد جلسات طارئة قد ينقل القضية الفلسطينية من الواقع الإقليمي إلى الواقع الدولي.
ويذهب بن مناحيم أن حدود غزة التي كانت هادئة نسبيًّا منذ انتهاء حرب غزة الأخيرة عام 2014م تحولت في الآونة الأخيرة إلى مصدر احتكاك دائم مع جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وقال: "لذلك ربما تعد هذه المسيرات وجهًا جديدًا من إستراتيجية المقاومة الفلسطينية، بعد انتفاضات الحجارة والسكاكين والسلاح الناري، وقد أتى الدور اليوم على انتفاضة الجماهير المحتشدة نحو الحدود، في تظاهرات ذات طابع سلمي، وبذلك ارتدت الفصائل الفلسطينية زيًّا جديدًا من الثورة الشعبية"، وخلص بن مناحيم إلى أن الفلسطينيين سيحققون عبر المسيرات الاحتجاجية السلمية سبعة أهداف تتمحور في الجوانب التالية:
1- عودة القضية الفلسطينية وحق العودة للفلسطينيين إلى أجندة السياسة الإقليمية والدولية.
2- التسبب بإحراج الاحتلال في الساحة الدولية؛ لأن الفلسطينيين نجحوا بتصوير جيشه يطلق النار ليقتل ويصيب 1400 فلسطيني في يوم واحد، وفعليًّا قتلت قوات الاحتلال في أسبوع واحد 22 مواطنًا، وجرحت نحو 1500 في جرائم وصفت بأنها مفرطة للقوة.
3- إعادة طرح موضوع حصار غزة والأزمة الإنسانية فيها من جديد على صدارة الاهتمام العالمي.
4- وضع المزيد من العقبات أمام صفقة القرن للرئيس الأميركي دونالد ترامب.
5- تحويل حدود غزة الشرقية والجنوبية والشمالية إلى مراكز احتكاك جديدة بين الفلسطينيين والجيش الإسرائيلي.
6- استعادة الطابع الشعبي للصراع الذي يخوضه الفلسطينيون.
7- الحيلولة دون اتخاذ السلطة الفلسطينية مزيدًا من العقوبات على القطاع.
إن كل ما أشير إليه من أهداف قد تحقق بالفعل، لكن الهدف الأسمى لمسيرات العودة وكسر الحصار أن الفلسطينيين في قطاع غزة تمكنوا من إيصال رسالتهم إلى مجلس الأمن والجامعة العربية والضغط لعقد جلسات طارئة، بعد سنوات من تراجع القضية الفلسطينية، وقضية عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم التي شردوا منها، وهذا من شأنه أن يعكر العلاقة التطبيعية بين الاحتلال والدول العربية، وينقل القضية الفلسطينية من الواقع الإقليمي إلى الواقع الدولي.