14 مايو/أيار 2018، كان يومًا فارقًا في حياة المصور الصحفي ياسر فتحي الذي أصيب برصاص الاحتلال الإسرائيلي، في أثناء تغطيته أحداث مسيرة العودة الكبرى وكسر الحصار السلمية شرق غزة، تزامنًا مع نقل الولايات المتحدة الأمريكية سفارتها إلى القدس المحتلة.
وكان ذلك اليوم حافلًا بالمظاهرات السلمية الزاحفة نحو خيام العودة المقامة بمحاذاة السياج الاحتلالي الفاصل بين قطاع غزة وفلسطين المحتلة سنة 1948.
ويبدي فتحي، رئيس قسم التصوير في صحيفة فلسطين، اعتزازه بالتضامن الواسع والكبير من الزملاء الصحفيين كافة، الذين فعَّلوا قضيته وأطلقوا آنذاك وسمًا "هاشتاج" على مواقع التواصل الاجتماعي "ياسر لازم يتعالج".
ونقل فتحي بعد ست ساعات من إصابته إلى مدينة القدس المحتلة للعلاج؛ بعدما تضافرت الجهود لإنقاذ حياته.
وشكل التضامن الواسع مع فتحي ضغطًا على الاحتلال لمنح زوجته الزميلة الصحفية في صحيفة فلسطين، رنا الشرافي، تصريحًا للدخول معه كمرافقة، بعد منع دخولها حتى اللحظات الأخيرة.
وحين وصلا أحد مستشفيات القدس، توافد عليهما أهالي القدس بشكل كبير وصحفيون من مختلف مؤسسات الإعلام المحلية والدولية، معلنين تضامنهم الكبير معه ومع الصحفيين في غزة.
ويعبر فتحي عن شكره لهذا التضامن، مؤكدًا أن من شأن ذلك أن يدفع الاحتلال إلى التفكير 100 مرة قبل تكرار مثل هذه الجريمة؛ لأنه سيصطدم بالمؤسسات الدولية والأهلية وحقوق الإنسان التي انتبهت لقضية استهداف الصحفيين وضرورة تأمينهم والتضامن معهم، الأمر الذي يشكل رادعًا للاحتلال، كما أنه يعطي الصحفي دافعًا للاستمرار في إيصال رسالته الصحفية.
ولا يقتصر استهداف الصحفيين الفلسطينيين على أولئك العاملين في قطاع غزة، بل يمتد إلى الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة.
استهداف متعمد
عصام الريماوي هو أحد الصحفيين الذين عانوا الاحتلال الإسرائيلي، فعندما أتم في الرابع من سبتمبر/أيلول الماضي توثيق انتهاكات قوات الاحتلال بحق المتظاهرين السلميين ضد إحدى البؤر الاستيطانية في قرية رأس كركر غرب مدينة رام الله في الضفة الغربية، فاجأه جندي احتلالي بإطلاق النار نحوه مباشرة.
"كنت أرى الجندي الذي يبعد عني 20 مترًا وهو يصوب رشاشه تجاهنا، وأصابني برصاص معدني مغلف بالمطاط مباشرةً في سائقي"، يقول الريماوي الذي يعمل مصورًا صحفيًّا لوكالة الأناضول التركية في رام الله.
ويؤكد الريماوي في حديثه مع "صحيفة فلسطين" أن هذه الضربة متعمدة؛ لكونه لم يكن هناك وجود للمتظاهرين من حوله، فضلًا عن أنه كان يرتدي خوذة ودرعًا تتوسطها شارة الصحافة.
ويدلل على تعمد الجندي في جيش الاحتلال إطلاق النار نحوه بالقول: "الجندي ذاته أصاب زميلًا لي كان يرافقني قبل إصابتي بدقيقتين".
وهذه الإصابة الثامنة للريماوي خلال عمله الصحفي تنوعت ما بين الرصاص المطاطي وقنابل الصوت، أما عن الاختناق بالغاز المسيل للدموع فحدث ولا حرج.
وكان لهذه الإصابة وقعٌ خاصٌ من التضامن المحلي والدولي؛ نظرًا لأنها كانت موثقة بمقطع فيديو مصور.
"تم التقاطفيديو لحظة الإصابة وكانت مؤلمة جدًّا، وانتشر الفيديو بشكل واسع، سواء الذين تناقلوه عن مواقع التواصل أو عبر وكالة الأناضول، مما شكل تضامنًا كبيرًا" يقول الريماوي.
وعقب الإصابة مباشرةً، أطلقت المؤسسات الإعلامية والحقوقية الدولية والرسمية التي تُعنى بالصحفيين وحقوقهم بيانات إدانة واستنكار لهذا الاعتداء، تبعها زيارات متواصلة سواء للبيت أو المستشفى من أجل الاطمئنان على سلامة الريماوي، وفق قوله.
وعن إمكانية رفع تلك المؤسسات قضايا ضد جنود الاحتلال الذين يتعمدون الاعتداء على الصحفيين، يجيب: "ممكن بعض المؤسسات ترفع قضايا ضد جيش الاحتلال، لكن فعليًّا ليست هناك قضية جرى فيها تحقيق جدي".
في السياق، يروى الريماوي قصة إصابة أخرى تعرّض لها: "في إحدى المرات تم الاعتداء علينا في قرية النبي صالح شمال غرب رام الله، هجم علينا جنود الاحتلال وضربونا بأعقاب البنادق، ورشوقنا بالحجارة، دون أي مبرر، ونظرًا لأن الاعتداء موثق بالفيديو أحرج الاحتلال واضطر لفتح تحقيق وتوبيخ الجنود ووقفهم عن الخدمة لمدة يومين".
وبمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الصحفيين الفلسطينيين، الذي يحل في 26 سبتمبر/أيلول سنويًّا وأقره الاتحاد الدولي للصحفيين، يطالب الريماوي المؤسسات الدولية بالضغط على الاحتلال لوقف انتهاكاته وجرائمه بحق الصحفيين.
ورغم جرائم الاحتلال المتواصلة بحق الصحفيين، يتفق الريماوي وفتحي على ضرورة مواصلة المسيرة الصحفية لكشف جرائم الاحتلال بحق الفلسطينيين بهدف إيصال القضية الفلسطينية للعالم الخارجي تطبيقًا لمبدأ أن "فلسطين هي البوصلة".