لقد طال الانقسام كثيرا حتى بدا وكأنه أمر واقع لا خروج منه، ويعتقد الكثيرون من أبناء الشعب الفلسطيني وكذلك المتابعين للشأن الفلسطيني أن إنهاء الانقسام أصبح أمراً صعب المنال، يستحيل تحقيقه على الأقل في القريب المنظور، ولديهم أسباب عديدة منها أن الطرفين وأعني قطبي المعادلة السياسية الفلسطينية (فتح وحماس) قد أعلنا مراراً وتكراراً وفي مرات عديدة أنهما توصلا لحلول كاملة وشاملة للانقسام وأنه -أي الانقسام- أصبح خلفهما بلا رجعة، ولكن هذه الاتفاقيات لم تترجم عملياً على أرض الواقع مطلقاً؛ بل إن الاتهامات المتبادلة والردح الإعلامي عبر الفضائيات ووسائل الإعلام كانت تتصاعد وترتفع وتيرتها عقب كل حديث عن اتفاق وشيك لإنهاء المصالحة!
ومع استمرار الانقسام الفلسطيني لعقد ونيف تتصاعد نتائجه السلبية، وتؤكد المعطيات أنه ألحق بالقضية الفلسطينية أضراراً جسيمة لا يمكن حصرها أو تقديرها، في مقدمتها استغلال سلطات الاحتلال لهذا الانقسام لتمرير الكثير من مخططاتها وعلى رأسها مخطط تصعيد الاستيطان ومصادرة الأراضي في الضفة الغربية و تهويد القدس، ومما يزيد الوضع سوءا أننا نواجه تطرفا إسرائيليا متزايدا وسباقا بين الأحزاب الكبرى على التأكيد أن الاستيطان مستمر ولا عودة الى حدود ١٩٦٧ وأن القدس هي «العاصمة الأبدية» للاحتلال، وقد أفرزت الانتخابات الأخيرة للكنيست يمينيا أكثر تطرفا والأصوات التي توصف بالمعتدلة تقلصت وتضاءل دورها ونفوذها، ومع أن الصوت العربي الفلسطيني ارتفع عاليا، إلا أن التطرف اليهودي يظل سيد الموقف.
ولا ننسى أن الانقسام أدى إلى خفوت الإيمان العربي والدولي بالقضية الفلسطينية وأصبحت مسلمات الأمس محل شك كبير، مما دفع بالكثير من المتربصين والمأجورين للاندفاع والإعلان عن مسلمات جديدة جميعها يصب ضد القضية الفلسطينية وفلسطين وشعبها، والحقيقة أن هذه المواقف السلبية المعيبة بحق القضية الفلسطينية وغيرها لم تكن لتظهر بهذه الصورة أو على الأقل بهذه الصورة الفظة لولا أجواء الانقسام الخطيرة التي ألقت بظلالها السلبية على الشعب الفلسطيني ومكوناته السياسية وقضيته الجريحة.
ومما لا شك فيه أن كل الحلول وكل المحاولات لإنهاء الانقسام المتواصل منذ قوته عام ٢٠٠٧ أخفقت وباءت جميعها بالفشل، بدليل ما آلت إليه الأمور في الأراضي الفلسطينية وتفشي ظاهرة اليأس والإحباط وتفاقم الكثير من المشاكل في جناحي الوطن (الضفة الغربية وقطاع غزة) دون استثناء أو تمييز، وبفحص متأنٍّ لأسباب هذا الإخفاق في رأب الصدع وإنهاء الانقسام الذي أقل ما يقال عنه إنه بغيض، نجد أن جميع الحلول التي وقعها الطرفان كانت حلولاً ترقيعية تسكينية طالت كل الأسباب ما عدا الأسباب الجوهرية والحقيقية التي أدت إلى الانقسام، وتمسكت بالحلول الظاهرية وتخلت عن الحلول الجوهرية، وللتذكير فقد تم التوصل الى اتفاقات متعددة في السابق ابتداء من العام ٢٠٠٥ حتى العام ٢٠١٧ فيها بنود التفاهم والمصالحة واستعادة الوحدة الوطنية، ولكن شيئا لم يتم تنفيذه، وظلت الحالة المؤلمة من الانقسام كما هي.
في هذه الأثناء خرجت ٨ فصائل وطنية فلسطينية ببيان مشترك فيه دعوة واضحة ومفصلة ومنطقية للعمل على استعادة الوحدة الوطنية، والمبدأ الأساسي في هذه الدعوة هو تشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية تقوم بما يجب لإجراء انتخابات شاملة وتوحيد المؤسسات وكسر الحصار عن القطاع، وتفعيل منظمة التحرير، وهذه الانتخابات تكون تشريعية ورئاسية وللمجلس الوطني في فترة لا تتجاوز العام ٢٠٢٠.
ما دامت الفصائل الثمانية تتخذ هذا الموقف الموحد، فإن هذا يعني أن الخلاف ينحصر بين فتح وحماس تحديدا. وأن لهذه القوى دورها وتأثيرها الذي لا يمكن لأحد أن يتجاهله، وهي في بيانها هذا تعبر عن الرأي العام الفلسطيني الذي أنهكه الاحتلال والحصار، كما أنهكه الانقسام أيضا الذي فيه أكبر خدمة لهذا الاحتلال البغيض والمدمر الذي يسرق الأرض ويعمل على تهجير المواطنين.
يجب ألا تكون هذه الصرخة المدوية لإنهاء الانقسام مجرد بيان يقرأه المعنيون ولا يستجيبون له وإنما لا بد من الاستجابة له وللرأي العام الوطني والمطلوب أن تبدأ التحرّكات في هذا الاتجاه بأسرع وقت ممكن من كل الاطراف. كما ان الشقيقة مصر التي رعت وترعى مساعي المصالحة أن تبادر هي الأخرى لاتخاذ خطوات باتجاه استعادة الوحدة الوطنية لمواجهة التحديات المصيرية التي يمارسها الاحتلال بكل غطرسته، كما أن على القوى التي أصدرت هذا الموقف ان تواصل الضغط والمساعي لتحقيق ما دعت اليه والا تكتفي بمجرد البيان ..!!