يشهد لبنان حراكاً للاجئين فلسطينيين يطالبون "الأونروا" بنقل الوصاية عليهم من وكالة "الأونروا" إلى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، وذلك بحثاً عن الأمن والأمان والاستقرار والعيش بكرامة في بلدان أخرى بسبب الأوضاع الإنسانية البائسة التي يعيشها اللاجئ الفلسطيني المحروم من حقوقه الاقتصادية والاجتماعية من الدولة المضيفة لبنان من جهة، وعدم قيام وكالة "الأونروا" بتوفير الخدمات الكافية من جهة أخرى مع اتهامات البعض بالتقصير الكبير من قبل المؤسسات الأهلية والفصائل الفلسطينية، ويقول القيمون على الحراك بأن عدد طلبات من يرغب بنقل ملفه من الوكالة إلى المفوضية قد وصل 65 ألف طلب من فلسطينيي سوريا ولبنان يمثلون حوالي 11 ألف عائلة.
يشدد المنتفضون على أن دافعهم للمطالبة بانتقال الخدمات هو إنساني بحت، وهم ليسوا مع شطب وكالة "الأونروا" ودعوة انتقال الوصاية هي لمن يرغب من اللاجئين، وبأنهم متمسكون بحق العودة سواء من لبنان أو من أي دولة يمكن أن تحط رحالهم إليها ولو بعد حين... أمام هذا الطرح لا بد من تسليط الضوء على بعض القضايا الموضوعية والقانونية والسياسية المهمة التي نعتقد من الضرورة الاطلاع عليها لا سيما من قبل الإخوة والأخوات اللاجئين المطالِبين بانتقال الوصاية.
انتقال الوصاية أو إذا شئت انتقال الخدمات من "الأونروا" إلى المفوضية كان وأكرر كان مطلباً أمريكياً وإسرائيلياً وقد صرّح بذلك نتنياهو بشكل مباشر في شهر حزيران/يونيو 2017 عندما طلب من مندوبة أمريكا السابقة في الأمم المتحدة نيكي هيلي العمل على تفكيك "الأونروا" ونقل خدماتها إلى المفوضية لأن "وكالة الأونروا تديم قضية اللاجئين وحق العودة الذي سيتسبب بإزالة (إسرائيل)"، والبديل المطروح الآن (أمريكياً وإسرائيلياً) هو الدعوة إلى انتقال خدمات الوكالة إلى الدول المضيفة والمؤسسات الأهلية المحلية والإقليمية والدولية وهذا ما ذكره مبعوث الرئيس الأمريكي ترامب إلى الشرق الأوسط غرينبلات أمام مجلس الأمن في 22/5/2019. الانتقال لم يعد مطلباً أمريكياً وإسرائيلياً لثلاثة أسباب إستراتيجية:
الأول؛ لأن هذا الطرح سيواجَه بالخيار المفضل الأول لدى المفوضية بتطبيق حق عودة من يرغب من اللاجئين إلى بلده الأصلي وهذا الخيار هو خيار أكثر من 6 ملايين لاجئ فلسطيني مسجلين في مناطق عمليات "الأونروا" الخمسة، لا يريد أي منهم التوطين في بلد اللجوء (الخيار الثاني للمفوضية) أو أن تبحث له المفوضية عن بلد ثالث للتوطين (الخيار الثالث للمفوضية الذي ينادي به لاجئون حالياً)، الخيار الأول للمفوضية تعتبره جميع حكومات الاحتلال "تابو" أي من المحرمات الحديث فيه، وتجربة أزمة فلسطينيي العراق لا تزال حاضرة أمامنا وتفاعلاتها لا تزال مستمرة، ولم تستطع الأمم المتحدة اتخاذ أي إجراء بحق دولة الاحتلال بعد أن اختار اللاجئ أن يعود إلى بلده الأصلي في فلسطين، وأُجبرت المفوضية العليا على بعثرة اللاجئين إلى مختلف دول العالم وهم غير المسجلين في سجلات وكالة "الأونروا"، حتى بات عددهم في العراق حوالي 5 آلاف لاجئ فقط من أصل حوالي 40 ألف كانوا قبل الغزو الأمريكي في العام 2003.
وباعتراف الكيان الإسرائيلي والإدارة الأمريكية بحق اللاجئين الفلسطينيين بتلقي الخدمات من المفوضية، هذا يعني بأن كل منهما بات يعترف بالمفوضية وبخياراتها الثلاثة، وبالتالي تكريس لحق اللاجئين بالعودة حتى لو لم تطبقه دولة الاحتلال.. وبالتأكيد هذا غير وارد على الإطلاق.
السبب الثاني؛ بأن كلا من الإدارة الأمريكية والكيان الإسرائيلي سيكون عليهما الاعتراف بحق عودة ليس فقط الـ 6 ملايين لاجئ فلسطيني المسجلين في سجلات الوكالة، بل بجميع اللاجئين الفلسطينيين حول العالم حسب سياسات عمل المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، أي أكثر من 8 ملايين لاجئ، وحالياً محاولات الإدارة الأمريكية والكيان الإسرائيلي المزيفة تعمل على تقويض شرعية قضية اللاجئين من خلال تقليل العدد، وبالتالي من المستحيل القبول بذلك.
السبب الثالث؛ أن طلب النقل ليس من صلاحية "الأونروا" ولا أي دولة.. وقبول الانتقال ليس من صلاحية المفوضية ولا أي دولة، هذه مهمة الجمعية العامة للأمم المتحدة حصراً التي أنشأت الوكالة سنة 1949 والمفوضية سنة 1951 ووضعت محددات لعمل كل منهما، والتعاطي على سبيل المثال مع اللاجئ الفلسطيني في منطقة من مناطق عمليات "الأونروا" الخمسة بشكل مختلف أو منفصل عن منطقة أخرى هو مستحيل وفق المعايير الدولية، بغض النظر عن العدد الذي يطلب الانتقال سواء كان لاجئا واحدا أو عشرات الآلاف، ولن تسمح لا الإدارة الأمريكية ولا الكيان الإسرائيلي ولا الحلفاء بالانتقال من وصاية "الأونروا" إلى المفوضية لأن هذا سيكرس واقعاً إستراتيجياً سياسياً (الاعتراف باللاجئين والعودة ولو لم يطبق حالياً).
وفي المقابل تنهي المفوضية العليا لشؤون اللاجئين علاقتها باللاجئ بعد أن يحصل الأخير على جنسية الدولة التي وافقت على لجوئه دون خياره، ولو كان في نيوزيلندا أو تشيلي على سبيل المثال لا الحصر، وحينها لن يعود لاجئاً على المستوى القانوني، ولا حق له بالمطالبة بحقه بالعودة إلى بلده فلسطين إذ أصبح مواطناً يحمل جنسية دولة قائمة، وزيارته من أي من تلك الدول إلى حيفا مثلاً في فلسطين سيكون كونه أجنبياً لا كونه لاجئاً.
ولكن ما البديل؟ بالتأكيد لا يستطيع أحد أن يمنع أحدا من الهجرة، ومن يريد أن يضع العراقيل عليه أن يقدم البديل عدا عن أن ظروف وأسباب ودوافع من يريد الهجرة باتت معروفة مختصرها الوضع الإنساني السيئ والصعب الذي يعيشه اللاجئ، إذاً المطلوب هو تحسين الوضع الإنساني للاجئين في المخيمات والتجمعات وهذا يتطلب أن ينصب الجهد والوقت والمال والتخطيط للتحرك باتجاه سفارات الدول المانحة للأونروا لا سيما الاتحاد الأوروبي والطلب بدعم الوكالة لتوفير الخدمات إلى حين العودة حسب ما جاء في قرار إنشاء "الأونروا" رقم 302 لسنة 1949، ومطالبة الدولة المضيفة بتوفير الحقوق، والمؤسسات الأهلية واللجان الشعبية والأهلية والفصائل الفلسطينية بأخذ دورها.. وعدم اليأس بالمطالبة بالتحسين واستخدام كل الوسائل السلمية المشروعة للضغط ولتحقيق هذا الهدف بأن يتحمل الكل مسؤولياته ومن موقعه وما الذي يمكن أن يقدمه من الخدمات (معنوياً ومادياً) التي تمكّن اللاجئ من الصمود للتمسك بحق العودة، وذلك كي لا يضيع جهد أهلنا المطالِبين بنقل الوصاية بين حقيقة الواقع الذي يُمكن أن يُستغل، وبين سراب المطالب.