"أنظر إلى نفسي في المرآة، نفسيّتي تتحطم يومًا بعد يوم، لا أستطيع فعل شيء وحدي، ولا أريد أن أطلب من الأسيرات مُساعدتي لأنني أشعر بالإهانة والخجل" هذا نص مقتبس من رسالة مكتوبة سربتها الأسيرة المقدسية إسراء جعابيص سنة 2016م من داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، وجهت عبرها نداء استغاثة للعالم من أجل الضغط على إدارة السجون لتقديم العلاج لها.
وطلبت جعابيص (32 عامًا)، من قرية جبل المكبر جنوبي شرق القدس المحتلة، في نهاية رسالتها الاهتمام بقضيتها، قائلة: "أرجو أن تطّلعوا على رسالتي، أنا لست أسيرة عادية تتحمل فقط همَّ الأسْر، أنا إنسانة تُعاني الكثير، فحالتي المرضية صعبة على أي مريض بين أهله فكيف بحالتي هذه؟!".
وحظيت رسالة جعابيص آنذاك باهتمام إعلامي بارز، شهدت محافظات قطاع غزة والضفة الغربية في إثره تضامنًا واسعًا من المؤسسات الحقوقية والنسوية المحلية والدولية، لكن الاحتلال لم يستجب لدعوات تلك المؤسسات، فها هي إسراء تعاني الأمَرين داخل زنزانتها دون مجيب.
وفي تشرين الأول (أكتوبر) سنة 2015م، أسرت قوات الاحتلال جعابيص، بعد انفجار أسطوانة غاز داخل سيارتها، شرق القدس، بزعم أنها محاولة لتنفيذ عملية فدائية.
"حاكم الاحتلال شقيقتي إسراء دون أن تكمل علاج الحروق التي طالت نحو 60% من جسدها، وحكم عليها بالسجن مدة 11 عامًا، ودفع غرامة مالية قدرها 20 ألف شيكل؛ بزعم محاولة قتل أحد عناصر شرطة الاحتلال"، وهو ما تقوله منى جعابيص شقيقة إسراء في دردشة مع صحيفة "فلسطين".
ولجريمة أسر إسراء تفاصيل ترويها منى بقولها: "في 11 تشرين الأول (أكتوبر) 2015م كانت شقيقتي تقود سيارتها، وبعد أن تجاوزت حاجزًا عسكريًّا يتبع للاحتلال شرق القدس صوب جنوده النيران نحو المركبة؛ فانفجرت أسطوانة غاز كانت تحملها مع أمتعة خاصة بمنزلها".
وتتابع: "كانت إسراء يوم جريمة أسرها في زيارة إلى زوجها بمدينة أريحا، إضافة إلى أنها كانت تنقل بعض الأثاث ومتطلّبات منزلها في القدس عبر مركبتها الخاصة، وكانت تتوجه إلى المدينة دوريًّا إذ يجب عليها إثبات إقامتها هناك، لدى شرطة الاحتلال، كي يحصل ابنها على حق الإقامة في القدس".
وتحتاج الأسيرة المقدسية لعمليات جراحية عدة في الأنف والأذنين والعينين واليدين نتيجة للحروق التي أصابتها وقت الجريمة التي ارتكبها الاحتلال، وما زالت تُعاني آثارها حتى اليوم.
لكنّ إدارة سجون الاحتلال تمارس الإهمال الطبي بحق إسراء، ما يتسبب في مضاعفة آلامها التي تعبر عنها منى بقولها: ""تعاني شقيقتي الأمرين داخل السجون حيث تعجز عن خدمة نفسها بسبب الحروق التي تعانيها".
وقدمت الأسيرة جعابيص طلب استئناف لمحكمة الاحتلال العليا على قرار سجنها مدة 11 سنة، وما تزال تلك المحكمة تنظر فيه.
ولا تزال ذاكرة منى ممتلئة بالأحداث التي جمعتها مع أختها، إذ إنها تصف شخصيتها "بالاجتماعية جدًّا"، موضحة أنها كوّنت علاقات واسعة، خاصة أنها كانت تتطوّع في المدارس والمشافي والمؤسسات، فتلبس لباس المهرجين والشخصيات الكرتونية لترسم البسمة على وجوه الأطفال.
وتتمتع إسراء بروح الدعابة والفكاهة التي يسعى الاحتلال بكل السبل إلى انتزاعها منها بسجنها الطويل.
وتعيش عائلة جعابيص على أمل أن تحظى إسراء بالحرية قريبًا؛ ويراود ذلك طفلها معتصم (11 سنة) في كل لحظة.
أم لسبعة أطفال
وتشرين الأول (أكتوبر) 2015م هو الشهر ذاته الذي أسر فيه الاحتلال فلسطينية أخرى هي نسرين أبو كميل (44 عامًا)، وهي أم لسبعة أطفال.
وأسر الاحتلال أبو كميل، التي تنحدر من حيفا، وكانت تقطن برفقة زوجها في قطاع غزة، بعد استدراجها للقدوم إلى حاجز بيت حانون (إيريز) بدعوى صدور تصريح عمل لزوجها.
"تقدمت زوجتي بطلب تصريح لي من أجل الدخول إلى الأراضي المحتلة لكونها تنحدر من حيفا، وأوهمتها مخابرات الاحتلال بأنها ستحصل على التصريح المذكور عند حضورها إلى الحاجز، وبعدها تفاجأت باتصال ضابط في المخابرات ليخبرني أنها أسيرة لدى الاحتلال"، والكلام هنا لزوجها حازم أبو كميل.
حينها مكثت نسرين 11 يومًا في التحقيق مرت كأنها 20 سنة، إذ أخضعت لأساليب تعذيب مأسوية منها الشبح، واستمرت محاكم الاحتلال بالمراوغة، حتى انتهى بها المطاف إلى الحكم بسجن نسرين مدة ست سنوات، وكان ذلك بعد سنتين ونصف من أسرها؛ وفق قول أبو كميل.
ويفاقم أسر نسرين معاناتها مرض سرطان الثدي الذي وصل إلى مراحل متقدمة –والحديث لا يزال للزوج- وأصيبت بمرضي السكري وضغط الدم بسبب التعذيب الذي مارسه الاحتلال بحقها خلال أسرها.
ويحاول أبو كميل ملء الفراغ "الكبير" الذي تركه غياب زوجته الأسيرة في حياة أطفاله.
الابنة الكبيرة أميرة أبو كميل (16 عامًا) تقول لصحيفة "فلسطين": "إن اعتقال أمي ترك فراغًا كبيرًا في البيت"، الأمر الذي جعل مهمتها صعبة في رعاية أشقائها لتكون بمنزلة الأم لهم.
وتضيف: "والدي يسعى جاهدًا لنعيش حياة مستقرة ولا يريد لنا الشعور بغياب الأم، فهو يرعى إخواني، وأنا أرعى أخواتي، ويحاول دومًا إخفاء أوضاع أمي الصحية ولا يطلعنا عليها خشية التأثر بها".
وإن الاحتلال يمنع عائلة أبو كميل من زيارة والدتهم الأسيرة، لكنهم يعيشون على أمل قريب بخروجها من زنازينه.