فلسطين أون لاين

​خيارات نتنياهو المؤلمة

...
عاصم عبد الخالق

في نظم الحكم البرلمانية ليس ضروريًا أن يفوز بمنصب رئيس الحكومة من يحصل على أكبر عدد من أصوات الناخبين ومن ثم مقاعد البرلمان. الفوز في الانتخابات ليس خط النهاية السعيدة للاحتفال بالنصر الذي يظل مؤجلًا إلى أن يتمكن زعيم الكتلة البرلمانية الأكبر من تشكيل الحكومة والفوز بثقة البرلمان. عندها فقط يستطيع الاحتفال بنصره.

ما يحدث في (إسرائيل) هو تطبيق حرفي لهذه الحقيقة السياسية المعروفة. الانتخابات التي تُجرى اليوم وهي الثانية في ستة أشهر جاءت نتيجة لفشل بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء في تشكيل ائتلاف حكومي، رغم فوز حزبه الليكود والأحزاب الدينية واليمينية الداعمة له بأكبر عدد من مقاعد الكنيست في انتخابات إبريل (نيسان) الماضي. إلا أن ذلك لم يوفر له النصاب القانوني لنيل الثقة وهو تأييد 61 نائبًا على الأقل.

لا يوجد ما يضمن تكرار نفس الأمر هذه المرة أيضًا، وهو ما يدخل (إسرائيل) في نفق سياسي مظلم. الانقسام العميق في المجتمع والاستقطاب الحاد بين التيارات الدينية واليمينية المتشددة من جانب، واليسار والوسط من جانب آخر، يرجح الخروج بنتيجة مشابهة.

الحل الوحيد هو أن تتحقق المفاجأة ويفوز أي تكتل بعدد كاف من المقاعد أو أن يتفق المعسكران على صيغة ما للتعايش والحكم.

أما إذا تكررت أزمة إبريل (نيسان) فسيواجه نتنياهو ثلاثة خيارات أحلاها مر. السيناريوهات الثلاثة رسمتها مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية في تقرير بعنوان "كيف يمكن أن يفوز نتنياهو بالتصويت ويخسر الانتخابات".. وهو بالضبط ما حدث من قبل ويمكن أن يحدث غدًا.

السيناريو الأول هو أن يكلف الرئيس "الإسرائيلي" رؤفين ريفيلين سياسيًا آخر غير نتنياهو بمحاولة تشكيل الحكومة. وفي هذه الحالة قد يختار زعيم حزب "أزرق – أبيض" الجنرال السابق بيني جانتس. ويتيح القانون للرئيس القيام بهذه الخطوة إذا استقر في يقينه وجود شكوك قوية في قدرة رئيس الكتلة الأكبر في الكنيست على تشكيل الحكومة. وبطبيعة الحال فإن إخفاق نتنياهو في المرة السابقة يعزز هذه الشكوك.

المرجحون لهذا السيناريو يشيرون إلى الخصومة العميقة بين ريفيلين ونتنياهو الذي عارض بقوة اختياره رئيسًا للدولة رغم أنه عضو في الليكود. وريفيلين كما يقول المقربون منه ليس هو الرجل الذي ينسى أو يصفح. وهو نفسه كان قد تعهد في تصريحات لصحيفة "جيروزاليم بوست" الشهر الماضي بأن يفعل كل ما بوسعه لتجنب انتخابات ثالثة. ولذلك إذا أسفر التصويت عن نتيجة غير حاسمة سيكون ريفيلين هو كلمة السر لإنهاء المأزق السياسي.

السيناريو الثاني للخروج من الأزمة هو حدوث تمرد ضد نتنياهو من قيادات في حزبه تطمح في خلافته. وسينعش فشله في تشكيل حكومة جديدة آمال وأحلام هذه القيادات رغم افتقارها للشعبية.

وتوفر قراءة ناتان ساشس مدير مركز سياسات الشرق الأوسط بمعهد بروكنجز الأمريكي لخطة هؤلاء فهمًا أوضح لما يعتزمون القيام به وهو توجيه رسالة إلى أعضاء وحلفاء الحزب تقول إنه إذا فشل نتنياهو في تشكيل ائتلاف سيتعين عليهم المفاضلة بين ثلاثة بدائل هي اختيار زعيم آخر من الليكود للقيام بالمهمة، أو قبول رئيس وزراء من خارج الحزب، أو انتخابات ثالثة.

وبالطبع سيكون الاختيار الأول هو المفضل، وبما يعني أنه يجب منع نتنياهو من المحاولة لاسيما أن المعارضة حسمت موقفها برفض الانضمام لأي تحالف بقيادته، بينما لا تمانع من العمل مع أي زعيم ليكودي آخر.

السيناريو الأخير تطلق عليه "فورين بوليسي" اسم "خيار نيكسون" نسبة إلى الرئيس الأمريكي السابق ريتشارد نيكسون الذي استقال بسبب فضيحة ووترجيت وأنقذه خليفته ونائبه السابق جيرالد فورد من السجن بعفو رئاسي. ويواجه نتنياهو موقفًا مشابهًا حيث تحاصره اتهامات بالفساد يمكن أن تلقي به في غيابات السجن. ولذلك قد يجد نفسه مضطرًا للقبول بصفقة تضمن له إغلاق التحقيق معه أو العفو عنه مقابل عدم التشبث بمحاولة تشكيل ائتلاف جديد. وغدًا نعرف القرار.