إعلان حكومة الاحتلال شرعنة مستوطنة «مبو يريحو» عند مشارف أريحا وذلك غداة إعلان نتنياهو أنه يعتزم ضم منطقة الغور فور فوزه في الانتخابات وتشكيل حكومته الجديدة، وأنه سيفرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات في الأراضي المحتلة، وهو ما قابلته العواصم العربية إما بإصدار بيانات شجب واستنكار أو بمطالبة المجتمع الدولي بالتحرك أو بالصمت وهناك من ذهب من المحللين العرب إلى التقليل من خطورة إعلان نتنياهو بالقول إن هذا الإعلان يأتي في سياق الدعاية الانتخابية فقط، وهو تحليل ينطوي على مغالطة كبرى وعدم فهم الحقيقة الأيديولوجية الاستعمارية العنصرية التي يتبناها الليكود وحلفاؤه من الأحزاب اليمينية المتطرفة التي يسعى نتنياهو لتشكيل حكومته القادمة بالتعاون معهم.
تزامنت تصريحات رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي نتنياهو حول ضم الأغوار وشمالي البحر الميت والمستوطنات، مع حادثة إثارة السخرية منه، فقد كان يلقي خطابًا في أسدود بحضور واسع، حيث دوت صفارات الإنذار تحذيرًا لصاروخ انطلق من غزة، ورآه الجميع يهرب نحو الملجأ وتحيط به مجموعة من حراسه وسط فوضى عارمة.
العالم كله تقريبًا وقف ضد نتنياهو، ما عدا الولايات المتحدة ورئيسها ترامب، وقد كان الصمت المطلق هو العنوان الرئيس والتشجيع الضمني، حيث إن ترامب هو من أكثر الرؤساء الأمريكيين، إن لم يكن أكثرهم فعلًا، الداعمين للسياسة الإسرائيلية والاحتلال والتنكر لكل الحقوق الوطنية وقطع المساعدات التي كانت تقدمها واشنطن لنا ولوكالة الغوث الدولية في محاولة فاشلة لتجاهل قضية اللاجئين.
والغريب ان هذا التأييد الأمريكي يتزامن مع الحديث الذي لم يتوقف عما يسمونه «صفقة القرن» والبحث عن حل لهذا الصراع الذي طال أمده كثيرًا. ربما يكون نتنياهو قد أدرك أن أطماعه تلقى رفضًا واسعًا وعلى كل المستويات، ولكن هذا الرفض اللفظي يظل أقل من المطلوب رغم أهميته حتى تصل الرسالة قوية إلى هذا المتغطرس الراكض وراء الأصوات الانتخابية والهارب من قضايا الفساد التي تلاحقه.
اللافت للنظر أن توقيت إعلان نتنياهو بدا وكأنه يأتي في سياق حملته الانتخابية ويخدم فعلا حملته الانتخابية إلا أنه أيضا ينبع من رؤية نتنياهو والليكود والأحزاب اليمينية المتطرفة التي تسعى بالتحالف مع إدارة ترامب الظالمة الداعمة للاحتلال والصهيونية إلى تصفية القضية الفلسطينية وسد الطريق أمام حل عادل يستند إلى القرارات الدولية، فهذه الحكومة وتلك التي ترأسها نتنياهو منذ ١٣ عاما حتى اليوم سابقت وما زالت تسابق الزمن لمزيد من التوسع الاستعماري الاستيطاني في الأراضي المحتلة وتهويد القدس والمساس بالمقدسات الإسلامية والمسيحية وانتهاك كل الاتفاقيات الموقعة مع الجانب الفلسطيني، مع كل ما يعنيه ذلك من تداعيات خطيرة على مستقبل القضية.
إزاء هذا الواقع الذي يوجه فيه نتنياهو صفعة مدوية للعرب الذين يزعم انه يريد التعاون معهم في مواجهة ما يسميه الخطر الايراني، وإزاء ما يعانيه الشعب الفلسطيني، فإن السؤال الذي يطرح أولا على قادة الأمة العربية هو: ألا تكفي هذه المخاطر الحقيقية كي يتداعى الزعماء العرب لعقد قمة عربية طارئة ترد بشكل حازم على نتنياهو وحليفه ترامب دفاعا عن الأقصى والقدس والقضية الفلسطينية التي طالما رفع الزعماء العرب شعار أنها قضيتهم المركزية؟ ولماذا لا تهدد الدول العربية والإسلامية التي تقيم علاقات مع الاحتلال، بقطع هذه العلاقات إذا فعل نتنياهو ما يدعو إليه؟ ويطرح نفس السؤال ثانيًا على زعماء الأمة الإسلامية عمومًا لاتخاذ موقف عربي-إسلامي أبعد من مجرد إصدار بيان قمة يشجب ويستنكر ويذكر بانتهاكات الاحتلال، بل يتضمن فعلا خطوات عملية في مواجهته أقلها وقف أي تطبيع معها والتلويح بإعادة النظر في اتفاقيات السلام التي أبرمتها أكثر من دولة عربية معها واستخدام الأوراق الاقتصادية التي تملكها الأمتان العربية والإسلامية في مواجهة أمريكا وأي دولة تدعم هذا الاحتلال, أليس من العار أن يواصل الاحتلال كل هذه العربدة والغطرسة وتمس بمقدساتكم وقضاياكم وتواصل استعمارها غير الشرعي للشعب الفلسطيني الذي ينتمي إلى هذه الأمة فيما يتم الاكتفاء بإصدار البيانات التي لا يأبه لها هذا الاحتلال وفيما لا يتم تطبيق الإجراءات التي توافقتم عليها في أكثر من قمة عربية وإسلامية حماية للقدس والأقصى ولحقوق الشعب الفلسطيني؟!
إن نتنياهو لا يفهم إلا لغة القوة والتأثير والضغط الحقيقي، وهناك عشرات القرارات الدولية التي لا يهتم بها أحد، وهناك مئات البيانات التي لم تغير من الواقع شيئًا.. ويظل رد الفعل عربيًا واسلاميًا أولا ودوليًا بالدرجة الثانية, فبيانات النقد والاستنكار التي أصدرتها بعض العواصم العربية أو الاتحاد الأوروبي لا تكفي لكبح جماح نتنياهو الذي يغامر بأمن واستقرار المنطقة ولا بد من إجراءات وخطوات جادة ومستعجلة تنقل رسائل واضحة لنتنياهو واليمين الإسرائيلي بضرورة وقف مثل هذه المغامرات، وإلا فلن يقتصر رد الفعل العربي والدولي على مجرد إصدار البيانات, بل يجب استخدام أوراق ضغط سياسية واقتصادية وغيرها للجمه.