كانت لينا أبو سنينة دائمة الحضور في الإذاعة المدرسية للفقرة النهائية (النشيد)، ومدعوة للمشاركة في كل المناسبات الوطنية والدينية، فصوتها الطفولي، وأداؤها الجيد، وتمثيلها لكلمات النشيد جعلها شخصية مرغوبة على المسرح المدرسي، ولكن كادت تطمس موهبتها فيما بعد نظرًا إلى عدم الاهتمام بها على مستوى المدرسة بالعمل على تنميتها وتطويرها، فلم يكن لها متسع لإظهارها في سوى اليوم المفتوح، لتعبر كل طالبة في الصف المدرسي عن نفسها بما تحب: النشيد أو الأسلوب الفكاهي أو اللعب.
وبدأت مشاركاتها تقل شيئًا فشيئًا خاصةً مع صعودها إلى مستوياتٍ أعلى في المدرسة، لكنها استطاعت إسعافها بالتدريبات الصوتية والمشاركة في عمل "كليبات"، خاصة بعد انتهائها من المرحلة الجامعية.
الإذاعة المدرسية
الشابة لينا (29 عامًا) تحدَّت عادات وتقاليد المجتمع الفلسطيني، وطابع مدينة الخليل الملتزم لتنفذ ما يدور في خلدها منذ مدة بتأسيس فرقة فنية، بصحبة شقيقتيها دينا ومها، وثالثة هي شيماء الحرباوي.
لم تأت موهبة الصوت الجميل من فراغ، فلها أصول وجذور، ولعلها تكون أيضًا متعلقة بالكروموسومات الوراثية، فقد كان جدهم للشقيقات الثلاثة صاحب صوت جميل، ويقيم مولدًا نبويًّا للرجال، هذا إلى جانب والدهم المجود لآيات الله بصوت يخترق جدار القلب دون استئذان، فجاءت الموهبة من طريقهما، لتصبح عائلتهم فنية بامتياز، فالعمل الفني متوارث من الأجداد إلى الأبناء.
ذكريات مشاركات لينا وأخواتها في النشيد بالإذاعة المدرسية في مرحلة الطفولة، وبمساجد المنطقة بدأت لينا تعيد شريطها بعد انتهاء دراستها الجامعية، آملةً أن تجد لها طريقًا في حياتها، ففي عام 2011م التحقت بالعمل في مؤسسة لها علاقة بالموسيقا، ما مكنها من إنتاج ألبومها الأول "طيور تعشق الوطن"، فكان البداية والانطلاقة.
وبعد تدريبات مكثفة على الصوت زادت من خبرتها أكثر، وأحدثت لها نقلة نوعية على مستوى أدائها، وأنتجت عملًا صوتيًّا آخر برفقة شقيقها، أيضًا عملها مدة في تنظيم الأفراح الإسلامية أفادها وزاد من معرفتها في استخدام أجهزة الصوت و(الميكروفون).
كسر للعادات
في المنطقة التي تعيش فيها لينا كانت كل مدة تقيم سيدات كبيرات في السن حفلات بسيطة للمديح النبوي، وفي إحدى المرات كانت لينا وشقيقاتها يشاركن في النشيد والمديح، فأعجبت الحاضرات بأناقة صوتهن، وبدعم وتشجيع من حولهن وجدن قاعدة للمشاركة والظهور في حفلات أخرى.
فاشترين سماعة و(ميكروفون) وبدأن بإحياء المدائح النبوية والدينية، وقالت لينا: "أحببنا أن نقدم شيئًا جديدًا للمجتمع، وله علاقة بالدين، ومستمدًّا من التراث، وطفرة حبنا للإنشاد التي جمعت بيننا جعلتنا نؤسس فرقة خاصة بنا، إلى جانب أن طابع مدينة الخليل المحافظ بحاجة إلى فرقة نسائية".
وعلى الطريقة السورية تحيي فرقتهن التي أسمينها "المحبة للفن الإسلامي" حفلات قدوم مولود جديد في أسبوعه، والأفراح، وحفلات عودة الحجاج من الديار الحجازية، وحفلات النجاح، فكسرت هذه الفرقة هيمنة الرجال في هذا المجال.
وسعت لينا بهذه الفرقة إلى نيل الأجر والثواب بذكر الله ورسوله، وتغيير العادات والتقاليد السائدة في المجتمع، وإيصال رسالة إسلامية بما يقدمنه من فن محافظ وملتزم، وتحقيق دخل مادي.
وأشارت إلى أن الهدف من هذه الفرقة تحقيق المشاركة الفاعلة للمرأة في المجتمع الفلسطيني، والخروج عن النمط التقليدي السائد في المناسبات، لافتة إلى أنهن لا يحيين إلا الاحتفالات الخاصة بالنساء.
وبعد أن ذاع صيتهن في المدينة بعذوبة صوتهن واحترافهن في إقامة الحفلات تشترط لينا في اختيار أعضاء الفرقة أن تتوافر (كاريزما) في الحضور على المسرح، فضلًا عن صوتٍ جميل يتماشى مع الإيقاع، إلى جانب الالتزام باللباس الشرعي.
وبينت أنها استطاعت أن تحدث تغييرًا على مستوى أداء الفرقة مقارنة ببداية انطلاقتها عام 2014م، بالتدريبات الصوتية الدائمة بهدف تحسين مستوى الأداء، والعمل على تطويره ليصبح لها حضوره على المستوى الفني في المجتمع الفلسطيني، مع العقبات التي تواجههن: امتلاكهن إمكانات متواضعة، وعدم قدرتهن على اشتراء الأجهزة الجديدة والمتطورة خاصة المتعلقة بالتسجيل، أو "كاميرات" لتصوير حفلاتهن.
وتطمح لينا بصحبة فرقتها إلى أن تُحدث تغييرًا في هذا المجال، لاسيما أنها تقود أول فرقة نسائية في الضفة الغربية، وإلى أن تصل أعمالهن إلى خارج مدينة الخليل، والاستمرارية والتقدم، وأن تصبح لديهن أناشيد خاصة بهن، وعلى صعيد التأليف والتوزيع الموسيقا، فهي البصمة التي ستوجد لهن أرضية بين الفرق الغنائية.