أين وصلنا في ذكرى أوسلو الـ26؟
ياسين عز الدين
ما ميز الذكرى السنوية الـ26 لتوقيع اتفاقية أوسلو (13/9/1993م) هو تزامنها مع إعلان نتنياهو نيته ضم غور الأردن إلى دولة الاحتلال، ما يعني القضاء على أوسلو نهائيًّا.
والحقيقة أن أوسلو انتهت رسميًّا في عام 1999م؛ فقد كانت اتفاقية انتقالية مدة خمس سنوات تنتهي باتفاقية دائمة تنهي “الصراع العربي – الإسرائيلي” بقيام دولة فلسطينية، لكن عدم التوصل إلى اتفاق نهائي أدى إلى بقاء أوسلو أمرًا واقعًا، وفي الحقيقة النية الصهيونية كانت واضحة منذ البداية بعدم رغبتها في الانسحاب بإصرارها على تأجيل بحث قضايا القدس والمستوطنات والكهرباء والمياه.
وتآكلت أوسلو مع اندلاع انتفاضة الأقصى، وأوقف الاحتلال أغلب التزاماته؛ فلم تعد السيطرة الأمنية للسلطة على المنطقة “أ”، وتوسعت المستوطنات أكثر مما تسمح به اتفاقية أوسلو (سمحت بالزيادة الطبيعية لعدد سكانها)، ومنذ بداية العام الحالي بدأ الاحتلال يحجز جزءًا أموال المقاصة التي كان يحولها إلى السلطة وفق اتفاقيتي أوسلو وباريس.
وبدأت أصوات القادة الصهاينة تتعالى أخيرًا مطالبة بضم المناطق “ج” في الضفة الغربية لدولة الاحتلال، ليتوجها نتنياهو بإعلانه نيته ضم غور الأردن (يشكل ثلث مساحة المناطق “ج”).
استطاع الاحتلال توريط حركة فتح في اتفاقية أوسلو ليوقعها في فخ محكم، فلم تعد قادرة على الخروج منها إلا بخسائر عالية، وهي غير جاهزة لذلك بعد أن تعودت السلطة وامتيازاتها.
منذ احتلاله الضفة الغربية عام 1967م أدرك الكيان الإسرائيلي أنه لن يستطيع السيطرة على الشعب الفلسطيني، دون قيادة من داخل الشعب، وحاول إيجاد قيادات على مقاسه مثل روابط القرى بداية الثمانينيات، لكن محاولاته باءت بفشل ذريع.
كانت اتفاقية أوسلو الحل الجوهري لمعضلة الاحتلال، إذ جاءت بأكبر فصائل المقاومة الفلسطينية في وقتها (حركة فتح) وأدخلتها في مشروع السلطة تحت رحمة الاحتلال الصهيوني، وجعلت مهمتها محاربة المقاومة وإدارة الحياة الفلسطينية اليومية، وإزاحة هذه الأعباء عن كاهل الاحتلال.
لم يعد الصف الفلسطيني موحدًا في وجه الاحتلال الذي نجح بتصدير صراعه معنا، ليصبح صراعًا فلسطينيًّا داخليًّا، وصلت ذروته في أحداث الانقسام عام 2007م.
ولعل أوضح مثال على المستنقع الذي جرتنا إليه أوسلو هو انسحاب الاحتلال من غزة عام 2005م، الذي حلت ذكراه في 12/9، فبدلًا من الاستفادة من هذا الإنجاز العظيم والبناء عليه حرصت السلطة على التقليل من شأنه، لأنه يعني فشل أوسلو ونجاح المقاومة المسلحة، ونتيجة لالتزام السلطة بأوسلو قبلت حصار غزة الذي أراد منه الاحتلال التعويض عن خسارة الانسحاب، بل أصبحت السلطة شريكًا في الحصار عندما فرضت عقوباتها الاقتصادية.
وعندما قرر الاحتلال أنه لم يعد بحاجة للسلطة في شكلها الحالي، ودمر أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية؛ كانت حركة فتح مشلولة، وغير قادرة على رفض شيء، رغم إدراكها خطورة الوضع.
نحن بحاجة اليوم إلى العمل من أجل تصحيح المسار دائمًا ليكون موجهًا ضد الاحتلال، بعيدًا عن أوهام المفاوضات التي ما زالت تداعب عقول بعض قيادات فتح والسلطة، وهذا يتطلب من فتح تحديدًا القيام بخطوة جريئة وقبول تحمل ثمن القطيعة مع أوسلو، وفي حال رفضت ذلك من واجب حماس وغيرها من حركات المقاومة البحث عن طرق بديلة من أجل تصحيح مسار المقاومة بعيدًا عن قيود أوسلو.