لأول مرة منذ تأسيس الاحتلال الإسرائيلي يمر المشهد السياسي بأزمة انقسام حقيقية تتمثل بوجود احتمالات قوية بعدم إمكانية تشكيل حكومة إسرائيلية للمرة الثانية على التوالي بعد إجراء الانتخابات المقرر عقدها الثلاثاء المقبل.
ولا يستبعد مراقبون ذهاب (إسرائيل) لجولة ثالثة من الانتخابات في حال لم يتم الاتفاق على حكومة واحدة، وهذا كله يُظهِر حجم الانقسام في الأهداف والرؤى والمصالح بين الأحزاب الإسرائيلية.
سعى رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى إخراج آخر أوراقه التي تمثل بالنسبة له "الأرنب" الذي سيخرجه في ساعة الصفر من القبعة لإبهار الحضور، بالإعلان عن نواياه بضم الضفة وغور الأردن بعد فوزه، بعد أن باتت ورقة غزة غير رابحة في هذه الانتخابات لعدم مقدرة السياسيين الإسرائيليين على تنفيذ تهديداتهم بالتصعيد مع القطاع.
تظهر الاستطلاعات الأخيرة للرأي العام الإسرائيلي تضاربًا في قوة كل من "الليكود" برئاسة بنيامين نتنياهو، و"كحول لفان" بزعامة الجنرال العسكري بيني غانتس، مع ثبات نوع من التعادل بين المعسكرين، في حين يبقى حزب (أفيغدور ليبرمان –إسرائيل بيتنا) بمنزلة بيضة القبان التي ستمنح أحد الطرفين القدرة على تشكيل الحكومة المقبلة.
وبينت ثلاثة استطلاعات نشرت نتائجها، الجمعة والخميس الماضيين، أن "الليكود" سيحصل، بحسب استطلاعي "معاريف" و"يسرائيل هيوم"؛ على 33 مقعدًا مقابل 31 مقعدًا لحزب "كحول لفان".
كما أن عدد أعضاء المعسكر المؤيد لنتنياهو يحصل، بحسب استطلاع "يسرائيل هيوم"، على 58 مقعدًا. وعلى 59 مقعدًا، بحسب استطلاع هيئة البث العامة (كان). و57 مقعدًا، بحسب استطلاع "معاريف".
أزمة عميقة
المختص في الشأن الإسرائيلي فرحان علقم يقول: "إن ذلك ينبئ بأن الأزمة التي يعانيها الاحتلال الإسرائيلي عميقة خاصة بموضوع القيادة السياسية التي يمكن أن تقود هذا الكيان، وتضمن استمرارية وجوده".
ويرى علقم خلال حديثه مع صحيفة "فلسطين" أن الأزمات المتتالية والمتعاقبة منذ تولي نتنياهو الحكم قبل عدة سنوات، تظل تطل برأسها عند كل انتخابات جديدة، عنوان الأزمة هذه المرة عدم وجود قيادة حقيقية وأن نتنياهو ظل على الحكم رغم فساده لغياب تلك القيادة.
ويعتقد علقم بأن أزمة القيادة داخل الاحتلال تؤشر على أن الاحتلال غير قابل للاستمرار لسنين وعقود طويلة، مستشهدًا بتصريحات لنتنياهو قال فيها: إنه يتمنى أن يرى (إسرائيل) تحتفل بمئوية التأسيس، وهذا يعني أنه يشعر بأزمة حقيقية تهدد وجودهم.
3 سيناريوهات
وثمة عدة سيناريوهات للانتخابات الإسرائيلية المقبلة يتوقعها المختص في الشأن الإسرائيلي علقم، أولها عدم استطاعة نتنياهو تشكيل حكومة –في حال فوز الليكود– ما قد يؤدي إلى الذهاب لحكومة واحدة يتناوب على رئاستها نتنياهو وغانتس على الرغم من أن الأخير يعارض الانضمام لحكومة بوجود نتنياهو، لكن من المتعارف على السياسة الإسرائيلية أنه لا محرمات مطلقة وأن "المصالح قبل المبادئ" عند كل الأحزاب.
السيناريو الثاني، بحسب علقم، أن يذهب الجميع إلى انتخابات جديدة ثالثة، وهذه المرة قد يختار الليكود شخصية غير نتنياهو حتى لا تتراجع مكانة الليكود لصالح أحزاب يمينية أخرى، أما السيناريو الثالث ألَّا يكون هناك انتخابات ويكلف رئيس دولة الاحتلال شخصًا آخر بتشكيل حكومة كتحالف بين ليبرمان وغانتس.
وأضاف أنه في حال الذهاب لانتخابات ثالثة، فإن هناك فترة انتقالية لمدة ستة أشهر، لن يستطيع خلالها نتنياهو على اتخاذ قرارات إستراتيجية أو أن يحرز تقدمًا في الملفات الساخنة، كمحاولة ضم الضفة والأغوار.
انقسام داخلي
لكن المختص في الشأن الإسرائيلي عباس زكور، يرى أن الشارع الإسرائيلي منقسم على نفسه، وأن المعركة داخل الاحتلال تدور بين من يريد أن تكون (إسرائيل) دولة دينية ومن لا يريد ذلك، فنتنياهو المحسوب على معسكر اليمين يريد دولة دينية، وليبرمان المحسوب على نفس المعسكر لا يريد ذلك، حتى أن اليمين منقسم على نفسه في ذلك.
وقال زكور لصحيفة "فلسطين": إن "الإشكالية تتمثل بعدم قدرة معسكر نتنياهو على الحصول على أكثر من 54 مقعدا، وفي حال انضم ليبرمان لغانتس لن يحصل على أكثر من 53 مقعدا"، مشيرا إلى أن الأحزاب العربية التي قد تحصل على أكثر من 16 مقعدا يريدون إسقاط نتنياهو، لكن السؤال هل يقبلون أن يكونوا بحلف مع معسكر فيه ليبرمان؟.
ويعتقد أن الانقسام بدولة الاحتلال حقيقي ومتساوٍ، وأن وجود فلسطينيي الداخل في اللعب السياسية سبب في عدم قدرة نتنياهو على تشكيل حكومة، متوقعا أن يكون الحل داخل الاحتلال اتحاد المعسكرين بعد الانتخابات وتشكيل حكومة وحدة إسرائيلية.