باستشهاد الأسير المريض بسام السائح من محافظة نابلس في سجون القمع الاحتلالي تكون الحركة الأسيرة وشعبنا قد فقدا مناضلا ضحى بحريته من أجل حرية وكرامة شعبه رغم المرض العضال الذي كان يعاني منه خلال اعتقاله والزج به في الأكياس الحجرية التي لا تصلح للعيش الآدمي، ورغم ذلك صبر على الآلام لأن حرية شعبه وزوال الاحتلال أهم من مرضه، لكن السؤال المهم هو: هل يكون استشهاد السائح، نقطة تحول في توسع دائرة التضامن مع الحركة الأسيرة؟
أعداد كبيرة من الأسرى يعانون أمراضا أكثر خطورة مثل مرض السرطان والقلب والسكر والربو وغيرها من الأمراض المزمنة وكثير منهم يعاني من هذه الأمراض 20 عاما وهم قابعون في سجون الاحتلال، وهي بمثابة مأساة حقيقية في ظل تنكر إدارات السجون الإسرائيلية لعلاجهم ورفضها السماح لأطباء من خارج إدارة السجون بتقديم علاجات مناسبة لهم، كما حصل في حالة الأسير ميسرة أبو حمدية الذي استشهد قبل فترة نتيجة الإهمال الطبي.
وبحسب مدير دائرة الإحصاء بهيئة شؤون الأسرى والمحررين عبد الناصر فروانة فإن 25 أسيرا فلسطينيا يصنفون ما بين الإصابة والاشتباه بالإصابة بمرض السرطان، وأخطرهم وضعا حالة الأسير ميسرة. وأوضح أن نحو 17 أسيرا فلسطينيا يقيمون بشكل دائم فيما يسمى مستشفى سجن الرملة، وجزء منهم يتحركون بواسطة كراسي متحركة، مؤكدا أن 85 أسيرا فلسطينيا يعانون الإعاقة بين الجسدية والنفسية. وأشار إلى أن جزءا كبيرا من هؤلاء لا يحصلون على الأدوات المساعدة للتغلب أو التكيف مع إعاقاتهم، متحدثا عن أسرى فقدوا أبصارهم نتيجة منعهم من الحصول على "نظارات طبية".
أما الأدوية فهي قصة مختلفة، إذ إن السجان الإسرائيلي يعتمد على المسكن (الأكامول) كعلاج أساسي وفي أحيان كثيرة كعلاج وحيد لأغلب حالات الأسرى المرضى، مما يفاقم من المعاناة ويجعل الأسرى المرضى "شهداء مع وقف التنفيذ". وتشكل القسوة في التعامل وسوء التغذية والأماكن التي يحتجز فيها الأسرى إضافة إلى الظروف المعيشية القاسية بالسجون الإسرائيلية عوامل كفيلة بأن يتحول كل الأسرى الأصحاء إلى مرضى، وتحويل المرضى ذوي الأمراض العادية إلى أصحاب أمراض خطيرة. الإهمال والحرمان الطبي كفيل بأن يسهم في تحويل أصحاب الأمراض البسيطة التي تظهر على الأسرى إلى مرضى مزمنين، حيث يعيش هؤلاء بلا اعتبار لحالتهم الإنسانية الصعبة، وفي ظروف تفتقر لأدنى الحقوق الإنسانية، منسيون في عتمة السجون. ولا يزال ما يربو على 6 آلاف أسير يقبعون في السجون الإسرائيلية في ظروف تفتقر لمقومات الحياة الكريمة وسط إهمال طبي وتعذيب وحرمان مخالف لكل المعايير والقيم الإنسانية، وصمت إزاء ما يحدث بحقهم منذ عشرات السنين. وأودت سياسة الإهمال الطبي المستمرة وفق إحصائيات باحثين ومؤسسات الحقوقية إلى وفاة أأكثر من مئتي أسير انضموا لقائمة شهداء الحركة الأسيرة، فيما إدارة مصلحة السجون تمعن في ممارساتها وإجراءاتها القمعية بحقهم.
ففي الوقت الذي نعزي انفسنا بفقدان هذا المناضل، سيدخل اسمه في سجل النضال الوطني الفلسطيني وتضحيته بنفسه من أجل شعب فإن استشهاده يعتبر وصمة عار جديدة في جبين دولة الاحتلال، خاصة وأن استشهاده هو نتيجة لسياسة الاهمال الطبي التي تمارسها سلطات الاحتلال ممثلة بإدارات السجون ضد الاسرى الفلسطينيين أمام مرأى وسمع العالم قاطبة والذي لا يحرك ساكنا أمام انتهاكات وجرائم دولة الاحتلال ليس فقط بحق أسرى الحرية، بل وأيضا بحق شعبنا وأرضه ومقدساته وممتلكاته.
السياسة التي تتبعها ما يسمى ادارات السجون والتي هي أداة من ادوات دولة الاحتلال القمعية والتي تهدف لتصفية أعداد كبيرة من أسرى الحرية وافراغ البعض الآخر من محتواهم النضالي والوطني، يجب أن تدق ناقوس الخطر أمام شعبنا وقيادته وفصائله، من أجل تكثيف العمل والتضامن مع الحركة الأسيرة التي تواجه الاعتداءات ومحاولات النيل من عزيمتها، وكافة وسائل القمع بما في ذلك الاعتداء على المناضلين بالهراوات ورشهم بالغاز، ما أدى إلى إصابة الكثير منهم بأمراض مزمنة، جراء سياسة التكسير التي يواجهونها بإرادة فولاذية لا تلين لهم قناة مهما بلغت شدة الاعتداءات المرتكبة بحقهم.
فدولة الاحتلال تتعامل معهم على أساس أنهم مخربين وليسوا أسرى حرب وفق الأعراف والقوانين الدولية، وتحرمهم من كافة حقوقهم، وتحاول سلب المكاسب التي حققوها بفعل نضالهم والتي قدموا على مذبحها الشهداء والجرحى والمرضى.
إن استشهاد الأسير السايح يجب أن يدفع الجميع من أجل تصعيد وتوسيع مجالات التضامن معهم لتشمل كافة فئات شعبنا، وكذلك القيادات والفصائل، لأن أي فقدان لأسير هو خسارة ليس فقط للحركة الأسيرة، بل أيضا لشعبنا ونضاله الوطني من أجل التحرير والاستقلال وهزيمة الاحتلال.
فالأسرى والشهداء هم الذين يعبدون الطريق نحو تحقيق كامل أهداف شعبنا الوطنية، وهم طليعة نضالية، تستحق منا، كل الدعم والتضامن المتواصل، وليس فقط في المواسم واقتصار خيام التضامن على أعداد قليلة من ذوي الأسرى، بل يجب أن يكون التضامن ليل نهار وفي مقدمته القيادة، وفصائل العمل الوطني والاسلامي هذه هي رسالة الشهيد الاسير السايح، هل نأخذ بها؟!