هي أم النكسات, ومستنقع النكبات, بوابة الضياع وسرداب التيه الوطني, اتفاقية أوسلو المشؤومة, شكلت بداية الانحدار للمشروع الوطني الفلسطيني, وسكة التراجع للتأييد العالمي التي كانت تتمتع به القضية الفلسطينية, وساهمت في ضعف التضامن الأممي مع مظلومية شعبنا الفلسطيني, (13 -9-1993م) يوم أسود في تاريخ قضيتنا فيه وضع الثائر يده في يد المحتل القاتل, وأطلق إعلام النظام العالمي الجديد عن ذلك المشهد "سلام الشجعان", في تشويه لمعنى الشجاعة الحقيقية..
لقد شكلت اتفاقية أوسلو الكارثية, ضربة في صميم التعبئة الوطنية الفلسطينية, فلقد حولت المحتل إلى شريك "سلام", وجعلت من المستوطن جارا له الحق في خيرات بلادي, والعيش بأمان على أرض أجدادي, وأوجدت اتفاقية أوسلو نصاً جوهرياً استطاعت من خلاله أن تجعل من الفدائي حارساً لأمن المستوطنات, ولا زال هذا النصالمقدس ساري المفعول عبر ما يعرف بالتنسيق الأمني, وأصبحت مقاومة الاحتلال والمستوطنين عملاً تخريبياً, والتباهي بكشف العمليات الفدائية وإحباطها عملا وطنيا, وأصبح ذلك من صميم العقيدة الأمنية لأجهزة أمن السلطة, كما سعت أوسلو إلى تغيير الثقافة الفلسطينية لصالح مشروع "التعايش والسلام" عبر إقامة معسكرات صيفية للأطفال والشباب مشتركة ما بين الفلسطينيين والصهاينة, فهل يتعايش المذبوح من الوريد إلى الوريد في وطنه المسلوب مع من تسبب بنكبته وتهجير أهله من ديارهم؟
ومما لا شك فيه أن اتفاقية أوسلو, كانت مفتاحاً لحظيرة المطبعين التي هرولت سراً وعلانية للتطبيع مع الاحتلال الصهيوني وإقامة العلاقات التجارية والدبلوماسية، فلقد رُفع العتب كما يقولون من خلال توقيع الفلسطيني على اتفاقية"سلام" مع العدو واعتراف بكيانه, ولسان حالهم يقول "لن نكون ملكيين أكثر من الملك", فكانت أوسلو مادة الدعاية والتبرير لإعلام الأنظمة العربية, في التخلي عن أي دعم أو إسناد حقيقي للشعب الفلسطيني وقضيته, بل تجرأ البعض منهم في وصف مقاومة شعبنا بـ "الإرهاب" والشواهد على ذلك كثيرة.
رغم مرور ستة وعشرين عاما على اتفاقية أوسلو, فإن الاحتلال ضرب بعرض الحائط الاتفاقية, ولم ينفذ منها إلا ما يصُب في مصلحته, في حين لازال فريق سلطة الحكم الذاتي برام الله, يتمسك بهذه الاتفاقية, بل ويقوم بتنفيذ ما تنص عليه بنودها الأمنية بالشكل الذي يخدم الاحتلال ويوفر الهدوء والاستقرار لمستوطنيه, رغم الرفض الشعبي والفصائلي لاتفاقية أوسلو, وما صدر عن اجتماعات المجلس المركزي والوطني من قرارات خلال عام 2018 من التهديد بوقف العمل باتفاقية أوسلو وملحقاتها, إلا أن ذلك لم يطبق على أرض الواقع, واستمرت السلطة وأجهزتها بالحفاظ على اتفاقية أوسلو والحرص الزائد على تنفيذ كل بنودها بلا استثناء.
إطلاق الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة وكسر الحصار, على فعاليات الجمعة (74)شعار "فلتشطب أوسلو من تاريخنا" يعتبر تأكيداً على الإجماع الوطني الفلسطيني برفض ومعارضة اتفاقية أوسلو, حيث إن هيئة مسيرات العودة تشكل أكبر تجمع وطني فلسطيني يضم كافة الفصائل والأحزاب والتجمعات والهيئات المدنية والهيئات العشائرية والنقابات وغيرها, ويأتي إطلاق هذا الشعار في الذكرى السادسة والعشرين لاتفاقية أوسلو, تصويبا للمسار الوطني وتصحيحا للبوصلة الفلسطينية, ومحاولة جادة لبناء المشروع الوطني الفلسطيني على قاعدة راسخة تتمسك بالحقوق الوطنية وثوابت القضية, والتي لا يمكن لأي كان أن يتصرف بها وفقاً لأهوائه أو اجتهادات حزبه, ما نحتاجه في هذه الذكرى السوداء في تاريخ شعبنا أن نسعى إلى شطبها من تاريخنا وواقعنا, وأن نمحو آثارها من مستقبل أجيالنا, وأن نتحلل من هذه الخطيئة على المستوى الوطني بإنهاء التعامل بموجب بنودها التدميرية, وأن نوحد كل جهودنا في إطار بناء النظام السياسي الفلسطيني الوحدوي القادر على مواجهة التحديات والمخاطر التي تتعرض لها قضيتنا وقيادة مرحلة التحرر الوطني من نير الاحتلال البغيض, فلقد أثبتت التجربة التاريخية أن داء الاحتلال الذي ينهش بالجسد الفلسطيني لا يبرأ منه إلا بالمقاومة.