إن تدهور وسوء أحوال الأسرى في السجون الإسرائيلية ليس جديدًا، أو بسبب إضرابهم عن الطعام، بل هو نتيجة الإهمال وعدم توفير الرعاية الصحية والعلاجية اللازمة لحالاتهم المرضية، وسياسة التكتم والسرية التي تتبعها إدارة سجون الاحتلال، والطريقة التي تتبعها في معاملتهم السيئة، واستعمال أساليب الشدة والقسوة التي لا تليق بالآدمية الإنسانية، والمتعارضة قطعًا مع كل الأعراف والمواثيق الدولية والأخلاق الطبية بحق الأسرى، إذ يكبلون بالأغلال من أياديهم عند فحصهم وتعصب أعينهم عند نقلهم، وفي أثناء وجودهم في المستشفيات، ما يزيد عليهم المعاناة والألم.
فأعلن أكثر من مائتي أسير في معتقل ريمون إضرابهم المفتوح عن الطعام احتجاجًا على إجراءات إدارة السجن بحقهم، هذا إلى جانب العديد من الأسرى الذين مضى على إضراب بعضهم المفتوح عن الطعام نحو شهرين احتجاجًا على الاعتقال الإداري وتجديد هذا الاعتقال عدة مرات دون توجيه أي اتهامات لهم, إضافة إلى مواصلة هذه الإدارة الاحتلالية وضع أجهزة التشويش المسرطنة في السجون، في إطار إجراءاتها ضدهم, وإن إدارات السجون بصورة عامة ترفض تحسين أوضاع الأسرى، خاصة المرضى الذين لا يتلقون العلاجات اللازمة، الأمر الذي أدى إلى استشهاد العديد منهم بسبب الإهمال الطبي، وجعلهم يعانون الأمراض التي أصابتهم داخل هذه السجون والمعتقلات التي لا تصلح للعيش الآدمي، والشبيهة بسجون العصور الوسطى وسجن الباستيل الشهير, فبأي حق يحرم الأسرى العلاج الطبي المناسب؟!
إن الظروف الحياتية التي يعيش فيها الأسرى سيئة جدًّا, فالطعام من سيئ إلى أسوأ، وغرف السجون أشبه بالأكياس الحجرية، واستفزازات حراس السجون تسير على قدم وساق، واقتحامات الغرف وتفتيشها بطريقة استفزازية، والاعتداء على الأسرى وضربهم بالهراوات ورشهم بالغاز المسيل للدموع، وكذلك الاعتداء عليهم في أثناء نقلهم من سجن إلى آخر وتضييق الخناق عليهم، جميعها إجراءات وانتهاكات ليست فقط تعارض القوانين الدولية، بل إنها ناجمة عن عنصرية مقيتة هدفها إفراغ الأسرى من مضمونهم ومحتواهم النضالي.
إن إدارة سجون الاحتلال لا تفرق بين أسير وأسيرة، فالانتهاكات تمارس على الأسيرات، خاصة المتزوجات ولديهن أطفال، فيمنعن من رؤيتهم وتفرض عليهن عقوبات ما أنزل الله بها من سلطان، وحسب تقارير هيئة شؤون الأسرى والمحررين، تقمع الأسيرات بوحشية، ويضربن، ويفتشن تفتيشًا عاريًا، ويحقق معهن على مدار ساعات طويلة، ويوضعن في زنازين عفنة وبداخلها آلات تشويش لمنعهن من النوم.
الاحتلال لم يكف عن الاعتقالات التي لا تفرق بين صحفي ومحامٍ وناشط حقوقي وطبيب وعضو مجلس تشريعي، ولا تفرق بين الفئات العمرية كالقصر من الأطفال وكبار السن والمرضى والنساء، فسجون الاحتلال مليئة بكل هذه الفئات، حيث يمارس عليهم أبشع ألوان العذاب، منتهكًا كل القوانين والأعراف الدولية التي تجرم المعاملة المذلة والمهينة للأسرى؛ فقد اعتاد الاحتلال في الماضي أن يتشارك هو ونظام الفصل العنصري بجنوب إفريقيا في هذا النوع من الاعتقالات التعسفية دون تهمة أو محاكمة لمن يعتقلهم، وأصبح بعد انهيار ذلك النظام ينفرد وحده من بين دول العالم بممارسة سياسة الاعتقال الإداري خارج القانون، واحتجاز الأسرى سنوات دون أن يوجه لهم تهمًا محددة، ودون تقديمهم للمحاكمة، ويكتفي بتسويغ استخدامه هذا النوع من الاعتقالات بالاستناد إلى ما يسميه الملفات السرية .
لقد أخذت قضية الأسرى من جديد شكلًا آخر من التحدي والصمود والصبر والعزيمة والإصرار، ولكن هذه المرة جاءت انتفاضة "الأمعاء الخاوية" بالجملة وليس بالمفرق، لترسم صورة المعاناة التي يعيش فيها الأسرى بسجون الاحتلال الظالمة، وتجسد أيضًا صلابة معنويات الأسرى التي لا تهزها قسوة السجان ولا عصا الجلاد, فالأسرى مصممون على انتزاع حقوقهم بالإضرابات عن الطعام، التي يسمونها نضال الأمعاء الخاوية.
الخلاصة: الأسرى الفلسطينيون توقع بهم أقصى العقوبات أجهزة الاحتلال المختلفة، بهدف إرهابهم ومحاولة النيل من عزيمتهم وإحباطهم، لثنيهم عن وطنيتهم والدفاع عن قضيتهم وقضية شعبهم التي يعمل الاحتلال بكل جهوده وطاقاته لتصفيتها, بالتعاون من العديد من الدول التي تدعي الديمقراطية وحقوق الإنسان، وفي مقدمة هذه الدول الولايات المتحدة الأميركية، خاصة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الحالية، التي تدعم انتهاكات الاحتلال ليس فقط بحق الأسرى، بل أيضًا بحق شعبنا وممتلكاته ومقدساته؛ وتزوير تاريخ البلاد والأرض، واستبدال بأهلها آخرين من بقاع شتى في الأرض.