فلسطين أون لاين

​لا لمسيرات العودة

عبارة لا لمسيرات العودة وكسر الحصار، أو كفى مقامرة بأرواح أطفالنا وشبابنا، أو يتاجرون بأقدام شبابنا مقابل حفنة من الدولار والسولار تقدمها قطر التي تعمل على بقاء حالة الانقسام، إلخ من العبارات التي تصب في اتجاه رفض المسيرات مع اختلاف المبررات.

من حق أي مواطن أن يعبّر عن وجهة نظره، ومن حق المواطن علينا أن نتحدث بكل شفافية ووضوح، وكما أن وجهة نظر من يرفض المسيرة تحتمل الصواب والخطأ، فإن وجهة نظر من يدعم ويؤيد المسيرة تحتمل الصواب والخطأ، وما سنسرده هو من يرجح الصواب على الخطأ.

كما رصدت في بداية المقال أن الشريحة الأكبر التي ترفض المسيرة تنطلق من حجم الخسائر البشرية التي ترتبت عن المسيرة، وهنا ينبغي طرح سؤال إجابته هي بمنزلة تحديد زاوية الرؤية للمسيرة، سؤالي لهؤلاء الإخوة: ماذا لو أن مسيرة العودة وكسر الحصار تبناها الرئيس محمود عباس وعمل على تفعيلها في كل المناطق الحدودية في الضفة الغربية، وكلّف عضو اللجنة المركزية لحركة فتح في غزة الأخ أحمد حلس بأن يكون ممثلًا عنها في الهيئة العليا لمسيرات العودة وكسر الحصار، هل سيكون موقفك من المسيرة كما هو الآن؟

إن كانت الإجابة نعم، فنظرتك ليست حزبية ومتأثرة بحالة الانقسام، وإن كانت لا، أي سيتغير موقفك من المسيرة وستصبح داعمًا لها، فهذا يعني أن زاوية الرؤية طرفك هي حزبية بحتة، وهذه الشريحة والتي أعتقد أنها تمثل غالبية منتقدي المسيرة، فإن انتقادهم هو من باب المناكفة السياسية وشكل من أشكال الانقسام، التي يعتقد هؤلاء أن المسيرة هي وسيلة إنقاذ لحكم حماس في قطاع غزة، وهو ما يتعارض مع رؤاهم ومع مصالحهم وتوجهاتهم.

نعود لمن أجابوا بنعم، أنهم سينتقدون المسيرة حتى لو شاركت كل القوى ومكونات شعبنا، وينطلقون من حجم الخسائر في مدخل نقدهم للمسيرة، وربط الخسائر بإنجازات المسيرة التي يختزلونها بالسولار والدولار.

لهؤلاء الإخوة أوجه لهم سؤالًا: ماذا كان موقفكم عندما دفعت الهيئة العليا لمسيرات العودة وكسر الحصار بأصحاب السترات البرتقالية أو الشرطة لمنع المتظاهرين من الاقتراب من السياج حتى لا يكون هناك خسائر؟ إن انتقدت هذا التوجه فهذا يعني عدم وضوح في الأهداف وتخبط قد يكون مبررًا في ظل حالة التيه التي نعيشها. ودعني هنا أقول: نعم، كلنا يتألم على كل قطرة دم تسيل من شاب أو طفل فلسطيني، ومنذ اليوم الأول ناديت وما زلت وأقول: دعونا نعمل على تصفير الخسائر البشرية، ونعزز من المكاسب السياسية والإعلامية، ولكن في الوقت نفسه أطرح تساؤلًا: هل سجل التاريخ المعاصر ثورة تخلصت من الاحتلال دون خسائر بشرية أو مادية؟ وضمن هذا المنطق هل يشكل تاريخ الثورة الفلسطينية التي قدم من خلاله الشعب الفلسطيني عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى والأسرى، في مراحله المختلفة، ومنها المرحلة النضالية لمنظمة التحرير؟ بماذا نصنّف تلك التضحيات؟

هذا لا يعني أن مسيرة العودة وكسر الحصار لا تحمل في طياتها أهدافًا حزبية تخدم منظميها، فحماس قد ترى في المسيرة مدخلًا لإفشال أي مخطط يستهدف حكمها، وبذلك أرى أنها وضعت ملف الحصار ضمن الملفات الساخنة التي تناور مع الوسطاء في إنجازها، وبذلك جاءت معادلة السولار والدولار التي يستخدمها معارضو المسيرات في استهدافها. وأصنف ذلك أنه من الذكاء السياسي الذي تناور فيه حماس وفصائل المقاومة، فالحصار الصهيوني لا يقل خطورة عن الحرب، وخسائره تتجاوز خسائر الحرب، وهو يركز على الموت البطيء، وربما يشكل أحد أهم دوافع هجرة الشباب الفلسطيني، فهو أحد أهم محطات إفشال حكم حماس منذ فوزها بالانتخابات التشريعية عام 2006م، والتي بموجبها غابت فرص العمل، والتنمية المستدامة، والرواتب وغيرها.

إن جوهر الحصار الصهيوني على قطاع غزة هو في نقص السيولة النقدية وليس البضائع، فقطاع غزة يعاني أزمة سيولة، وهناك أيضًا حصار لعجلة التنمية والاقتصاد عبر قصف (إسرائيل) لمحطة توليد الطاقة، ومنع إدخال السولار للمحطة، وعليه لا تصل الكهرباء للمصانع والمنازل سوى بضع ساعات، ومن هنا مفاتيح كسر الحصار تبدأ بالسولار والدولار كأحد أهداف المسيرة، والتي طوال ١٢ عامًا لم يلتفت أحد من المجتمع الدولي للموت البطيء التي يتعرض له شعبنا نتيجة الحصار، من رحم ذلك فرضت مسيرات العودة وبتضحيات شبابها معادلة جديدة تقوم على تطوير مشروع المقاومة الذي بموجبه يتحقق التحرر والانعتاق من الاحتلال، ووضع القضية الفلسطينية على الأجندة الدولية والإقليمية، والتخفيف من حالة الحصار كمدخل لتعزيز صمود شعبنا، وهذا يتم عبر الضغط على الاحتلال بكل الوسائل.

الخلاصة: نرجو أن تتحقق الوحدة الوطنية، وتصبح مسيرات العودة سلوكًا وطنيًّا مهمًّا في مسيراتنا الوطنية، وتحمي مقاومتنا المسلحة أي تغول يقوم به الصهاينة، ضمن هذا الطريق نواجه صفقة القرن، ولكن ما لم تتحقق المصالحة في ظل التحديات التي تقف في طريقها ينبغي العمل على الاستمرار بالمسيرات مع ضرورة الحفاظ على أرواح شعبنا والضغط على الاحتلال عبر الوسائل الخشنة، والعمل المستمر على تقييم وتقييم المسيرة.