توقفت مليًّا حول الانتقادات التي رافقت محطات مسيرات العودة وكسر الحصار طوال 73 أسبوعًا، وكنت مهتمًّا في كل مرة بمعرفة المنطلقات التي تدفع البعض لرفع سقف الانتقادات، ومواصلة استهداف المسيرات بهذا الشكل، ويتبين للمتابع أن منتقدي المسيرات ليسوا في ذلك سواء؛ فمنهم الناقد نقدًا ناصحًا، ومنهم الناقد نقدًا محرضًا، ومنهم من يقع بينهما.
من هنا فإنني سأتطرق للفرق بين كل صنف يهاجم أو ينتقد أو يعترض على (الأسلوب والأدوات)، والإجابة على طبيعة المكاسب التي حققت على الصعيد السياسي والوطني، وكيف يمكن المحافظة عليها.
أولًا: تصنيف منتقدي المسيرات:
يمكن تقسيم هؤلاء إلى ثلاثة أصناف، فالأول يهاجم المسيرات بالكلية ويطالب بإنهائها ولا يري لها أي مكسب سياسي أو وطني، ويتهم من يقف خلفها بالمتاجرة بالدماء (منطلق حزبي ضيق).
والثاني يري في المسيرات تصديرًا لأزمات داخلية تعانيها حركة حماس وتناميًا لمظاهر العنف والإرهاب بشكل غير مبرر (الدعاية الصهيونية).
والصنف الثالث يرى أن المسيرات حققت شيئًا على الصعيد السياسي والوطني، ولكن في ذات الوقت يجب إجراء معالجات ضرورية في الوسائل والأدوات والوقوف بموضوعية حول أي إخفاقات حولها، والعمل على تطويرها وتفادي الخسائر البشرية وتوظيفها بالشكل الأمثل لخدمة أهدافنا الوطنية (رأى وطني).
ثانيًا: أهمية المسيرات:
شكلت مسيرات العودة وكسر الحصار أداة من أدوات النضال الوطني في مواجهة الاحتلال، كإحدى الوسائل السلمية التي يمكن إعمالها في الوقت الراهن، فضلًا عن أنها أحد البدائل على الساحة الوطنية، وفرصة إضافية لإشغال العدو وإرباكه واستنزاف قواته على الحدود الزائلة، وصورة مشرقة للوحدة الميدانية والسياسية بين مكونات شعبنا وقواه الحية، في ظل الانقسام الحاصل وتراجع أي فرصة للالتقاء في ملف آخر تتشابك فيه قوى شعبنا.
ثانيًا: ماذا حققت المسيرات:
- أعادت الاعتبار للقضية الوطنية بعد أن تراجعت على المستوى الإقليمي والدولي.
- وحدت كل مكونات شعبنا وحشدت طاقاته تحت عنوان وطني شكل نقطة انطلاق للاشتباك مع العدو.
- أشغلت العدو الإسرائيلي واستنزفت قواته ونشرت حالة الإرباك على الحدود.
- أوجدت مشاهد انتفاضة جديدة في وجه الاحتلال وذكرت العالم بمعاناة شعبنا وعكست تمرد شعبنا على واقع الحصار والظلم والقهر والاحتلال.
- كشفت الوجه القبيح للاحتلال، وفضحت الرواية الإسرائيلية حول الجرائم والحصار، وممارسة الاحتلال المستمرة للإرهاب المنظم.
- دفعت الوسطاء الإقليميين والدوليين للحضور إلى غزة للاستماع للمطالب السياسية والوطنية والإنسانية.
- أسهمت في التخفيف من وطأة الحصار ولو جزئيًّا (في تحسين حالة الكهرباء، وإدخال المال والذى استفاد منه الآلاف من الخريجين والفقراء والمرضى والجرحى، إضافة إلى تفعيل بعض البرامج والمشاريع برعاية دولية).
- أبعدت شبح الحرب وجنبت شعبنا الدخول في جولات قتال قاسية نتيجة اشتداد الحصار.
- حصنت شعبنا ورفعت مستوى الوعي الوطني، في ظل حالة التطبيع العربي والتعايش مع الاحتلال، والركون إلى السلام الموهوم.
- شكلت سدًّا منيعًا أمام المحاولات الخبيثة لتصفية القضية، وأزاحت فكرة التوطين أو التهجير وأثبتت أن الفلسطيني متشبث بأرضه ومستعد للتضحية في سبيل ذلك.
- المسيرات أفشلت بشكل مباشر وفى أكثر من مرة، محاولات الاحتلال بناء الجدار، وعرضت حياة وحدات الهندسة للخطر، وأعطبت جزءًا من معدات الاحتلال، وأخرت أعمال الحفر حول مقدرات المقاومة.
- استعادت القضية مكانتها في الإعلام العربي والغربي، والمسيرات دفعت الوكالات والصحفيين للحضور إلى غزة للوقوف على حقيقة ما يجري ونقل معاناة شعبنا وفضح الاحتلال.
ثالثًا: الحفاظ على مكتسبات المسيرات:
من خلال مواصلة الضغط على الاحتلال، وزيادة زخم الفعاليات والإعداد، والمحافظة على الطابع الوطني الشعبي لها، وإبقائها في سياقها السلمي وعدم عسكرتها بأي شكل، وإشراك كل قطاعات شعبنا ومكوناته الحية في كل ما يخص المسيرات من أفكار وقرارات، وأنشطة وفعاليات، والعمل على تطوير الأدوات والوسائل، والمعالجة الفورية لأى إخفاقات قد تحدث في أحد جوانبها.
إضافة إلى رفع مستوى الوعي حول أهميتها التكتيكية والاستراتيجية في معركتنا الوطنية، من خلال الإعلام، والتصدي لكل المحاولات التي تحاول النيل منها، وتعزيز صمود شعبنا والتضامن بشكل كبير مع (جرحى المسيرات، وذوي الشهداء) من خلال الدعم المالي وتوفير العلاج والتضامن الاجتماعي معهم وتبني قضاياهم.