فلسطين أون لاين

تقع في قلب الأغوار الشمالية

حكاية "الوجع" اليومي لـ100 عائلة فلسطينية في "الفارسية"

...
صورة أرشيفية
طوباس–غزة / خضر عبد العال:

مع بداية يوم جديد يلملم الراعي الفلسطيني لؤي أبو محسن (36 عامًا) أغراضه ويمضي بأغنامه إلى المراعي الطبيعية، تزامنًا مع طلوع شمس الضحى بخيوطها الذهبية، ليرسم بذلك لوحة فنيّة جميلة، تعكس بساطة حياة الفلسطينيين وتمسكهم بأراضيهم المسلوبة.

في منقطة الفارسية على ضفاف وادي المالح في قلب الأغوار الشمالية شمال شرق الضفة الغربية المحتلة، حيث المساحات الشاسعة من المراعي الطبيعية، يقطن الراعي أبو محسن في بيت من الشعر وألواح "الزينقو".

وفي أحد الأيام، اصطحب شقيقه وابنه في جولته الصباحية، وما إن وصلوا إلى مكان ما قرب مستوطنة "روتم" المقامة على قمة جبل في وادي المالح؛ حتى اعتدى قطيع من المستوطنين عليهم وأشبعوهم ضربًا، ومع شدة الضرب نقل شقيقه إلى المستشفى التركي بطوباس، في حين أسره الاحتلال وابن أخيه 10 أيام.

ويقول أبو محسن لصحيفة "فلسطين": "الاحتلال يزعم أن سبب الاعتداء هو الرعي في أماكن ممنوعة على الفلسطينيين".

ويضيف: "حين نسرح في المناطق الفلسطينية، يقول الاحتلال لنا: "ممنوع الرعي هنا، الرعي هنا فقط للمستوطنين"، ويبلغوننا بالمناطق الضيقة المسموح لنا بالرعي فيها، ثم يأتون في اليوم التالي ويجدوننا نرعى فيها، فيعتدى علينا ويقولون: هذه مناطق ممنوع الرعي فيها".

ويتابع: "بات المستوطن له القدرة على استغلال الأرض أكثر من الفلسطيني صاحبها الأصلي".

ومع تكرار اعتداءات المستوطنين، اضطر أبو محسن إلى التخفيف من عدد غنمه البالغ (500 رأس) إلى (200 رأس)، بسبب عدم قدرته على الرعي في تلك المناطق.

وتهدد اعتداءات المستوطنين اليومية نحو 100 عائلة فلسطينية، تقطن منقطة الفارسية في الأغوار الشمالية.

ويعتمد سكان هذه المنطقة على تربية الماشية، فيصنعون من حليبها الأجبان والألبان، وهي مصدر دخلهم.

"جحيم"

ويروي أبو محسن -وهو عضو بالمجلس القروي لوادي المالح- تفاصيل حياتهم التي حوّلها الاحتلال ومستوطنيه إلى جحيم، قائلًا: "يحدنا من المنطقة الغربية موقع تدريب عسكري، ومن الناحية الشرقية تحدنا مستوطنة "روتم"، ومن الشمال مستوطنة "شدموت ميخولا"، ومن الجنوب "سلعيت"، وأخيرًا ربطت هذه المستوطنات لتصبح شبكة واحدة، ما أدى إلى السيطرة الكاملة على منطقة الأغوار".

"موقع التدريب العسكري فيه إطلاق نار من الأحد حتى الخميس ليلًا ونهارًا، وغالبًا يقترب جنود الاحتلال من بيوتنا مسافة صفر ويطلقون النار، الأمر الذي يجعل الفلسطينيين يعيشون بخوف دائم"؛ والحديث لـ"أبو محسن".

أما اعتداءات المستوطنين فلم تدع مجالًا أمام الرعاة الفلسطينيين لرعي أغنامهم، إذ يراقبهم المستوطنون منذ ساعات الصباح الأولى، وينتظرونهم مشاةً أو على الدرجات النارية، أو على الخيول، وما إن ينطلقوا من بيوتهم حتى يعتدوا عليهم بالكلاب والخيل، ويظلوا يلاحقونهم حتى يرجعوا إلى بيوتهم.

اعتداءات المستوطنين لم تقتصر على الرعاة فحسب، بل تعدى الأمر إلى الاعتداء على طلبة المدارس، إذ ينتظر المستوطنون حافلة طلبة المدارس، وما إن تصل حتى يبدؤوا برشقها بالحجارة.

ويتلقى أبناء الفارسية تعليمهم في منطقه "تياسير" المجاورة، إذ خصص لنقلهم حافلة ذهابًا وإيابًا.

واعتداءٌ آخر هو الأخطر على حياة الفلسطينيين في منقطة الفارسية، وهو سياسة الهدم، فكلما يبني سكان المنطقة خيمةً أو حظيرةً للغنم يأتي المستوطنون بحماية دورية من جيش الاحتلال ويهدمونها.

وفي كل حالة هدم يتصدى السكان للمستوطنين ولسان حالهم يقول: "كلما هدمتم نصبنا وبنينا، ما دام فينا روح سنظل نبني في المالح".

وقبل اتفاق أوسلو كان المستوطنون يجثمون فوق 1.6% (المستوطنات المبنية) من مساحة الضفة الغربية (5800 كلم2 من أصل 27 ألفًا هي مساحة فلسطين التاريخية)، في حين يقدر مخططها الهيكلي بـ6%.

وارتفع تعداد المستوطنين من نحو 105 آلاف مستوطن قبل اتفاق أوسلو، الموقع بين منظمة التحرير والاحتلال الإسرائيلي، إلى أكثر من 700 ألف يجثمون الآن فوق 60% من أراضي الضفة المندرجة تحت مسمى مناطق "سي" الخاضعة لسيطرة الاحتلال ومناطق "النفوذ الإستراتيجي".

وارتفع عدد المستوطنات ليصل إلى 145 مستوطنة في الضفة و15 بالقدس، إضافة إلى نحو 120 بؤرة استيطانية، وفق إفادة مراقبين.

بدوره يوضح رئيس مجلس الأغوار الشمالية مهدي ضراغمة أن مساحة المراعي في منقطة الفارسية تبلغ نحو 2000 دونم، دومًا ما يحاول المستوطنون منع الفلسطينيين من الرعي فيها.

ويقول ضراغمة لصحيفة "فلسطين": "إن أبرز أشكال المعاناة التي يواجهها سكان المنقطة هي: البؤر الاستيطانية التي بناها المستوطنون حديثًا، وبدؤوا يضعون فيها الأبقار والأغنام، وفرض سيطرتهم على آلاف الدونمات، ومنع السكان الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم".

ويتابع: "أصبح المواطن الفلسطيني محاصرًا في المراعي، ويكون أمام خيارات صعبة، إما يعتدي عليه المستوطنون، أو يستدعيه جيش الاحتلال لأسره".

لكنه يؤكد أنه لن ينجح الاحتلال ومستوطنوه في تحقيق أهدافهم التهويدية والاستيطانية، ما دام فيهم عرق ينبض.