يستغل رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية تحت حجة كسب أصوات غلاة المتطرفين من اليمين الذي بات يسيطر على الرأي العام، قام هو ورئيس الدولة ريفلين باقتحام مدينة الخليل والحرم الإبراهيمي الشريف مع مجموعة من المرافقين والمسؤولين، وألقى كلمة هناك تفيض بالتطرف والاستفزاز لمشاعرنا على غرار اقتحام شارون باحات المسجد الأقصى المبارك عام 2000 والتي أدت الى اندلاع انتفاضة الاقصى وقد صرح في حينه بأن "جبل الهيكل بأيدينا"، فقد اختار نتنياهو ذكرى أحداث ثورة البراق التي وقعت عام 1929، والتي تسببت باقتلاع الوجود الاستيطاني الصهيوني من الخليل، ليقول للفلسطينيين إن الاستيطان في قلب الخليل باق هذه المرة إلى الأبد.
إلا أن الرابط بين الحرمين الإبراهيمي والقدسي الشريفين لا يقتصر على الحدث التاريخي المتمثل بثورة البراق، التي بدأت في القدس وانتقلت إلى الخليل، حيث يقوم نتنياهو اليوم بإحيائها هناك، ولا في الاقتحامين، بل في ما يخططه الاحتلال من تقسيم للحرم القدسي الشريف على غرار ما قام به في الخليل، الا ان نتنياهو الوحيد الذي يخوض معركة انتخابية سياسية، بل هو لا يفصل بين المعركة الانتخابية والمعركة السياسية التي يخوضها كرئيس لحكومة الاحتلال، في تمكين هيمنة الدولة العبرية على كامل الأرض الفلسطينية وبسط هيبتها على المنطقة العربية.
لقد أقاموا داخل الخليل القديمة وفي محيط المدينة بصورة عامة مجموعة من المستوطنات أكبرها كريات أربع كما انهم أقاموا بوابات تسيطر على الدخول الى تلك المنطقة، وتجيء هذه العملية من الاقتحام لكي تثير أعمق وأخطر أنواع التصعيد والاستفزاز لا لأهل الخليل ولا لكل شعبنا الفلسطيني فقط ولكن لكل الشعوب، ولا نقول الحكومات العربية والإسلامية ، كما أنها تعبر عن مدى الغطرسة التي تتمتع بها هذه القيادة الإسرائيلية حتى ان رئيس كيان الاحتلال دعا الى ضم الخليل بكل مستوطناتها الى (إسرائيل).
إن هذا الاقتحام كان يجب ان يجعل نتنياهو وريفلين ومن معهما يتذكرون تلك المجزرة التي ارتكبها الإرهابي اليهودي باروخ غولدشتيان في داخل الحرم الإبراهيمي وأدت الى مقتل وإصابة عشرات المصلين المسالمين في مكان مقدس وله حرمته عند من يحترمون الدين والأخلاق والمفاهيم الإنسانية، وقد أقاموا لهذا الإرهابي نصبا تذكاريا مما يدل على أن غولدشتاين هذا لم يكن يمثل شخصا واحدا فقط وإنما تفكير عام لدى الكثيرين من مؤيديه والمدافعين عنه.
كما ان هذا الاقتحام يقابله كما هو معروف اقتحامات متكررة للحرم القدسي الشريف يقوم بها مئات المتطرفين، وستكون قضية اقتحام الخليل تشجيعا لهم لكي يواصلوا هذه الاقتحامات بشكل متزايد، بدون أي اعتبار لأي واقع قانوني أو حقوق، وشعارهم الوحيد أن القوة هي الحكم وهي القانون وان الغطرسة بلا حدود هي ما يسيطر على تفكيرهم.
إن ظهور نتنياهو وسط التجمع الاستيطاني في الخليل وفي قلب الحرم الإبراهيمي الشريف، الذي قسمه الاحتلال مناصفة بعد المجزرة التي ارتكبها باروخ غولدشتاين بحق المصلين الفلسطينيين، لا يحمل دلالات انتخابية فقط، بل هو رسالة سياسية واضحة للفلسطينيين والعرب والعالم، بأن (إسرائيل) قد دفنت حل الدولتين وهي ماضية في تكثيف استيطانها في كل مكان من الأرض الفلسطينية.
وفي حين يعتبر الكثيرون من القادة والمؤرخين الصهاينة، ومنهم جابوتنسكي، أن أحداث 1929 هي الحدث المؤسس في تاريخ الصهيونية، فإن نتنياهو الذي يرى بنفسه نسخة جديدة لهرتسل أو بن غوريون، حاول أن يصحح أخطاء التاريخ وخاصة الخطأ المتمثل بالتخلي عن الضفة الغربية عام 1948 والخروج من الخليل عام 1929، متناسيا عمدا أن حكومته هي من نفذت اتفاق الانسحاب من الخليل عام 1996.
إن اقتحام الحرم الإبراهيمي يجب أن يكون دعوة الى الجميع لكي يدركوا أن الاحتلال بقيادة اليمين المتطرف والغياب شبه الكامل لليسار أو الاعتدال، لا تفكر بالسلام ولا هي معنية به وان ما يحدث من ممارسات تهويد واستيطان سيظل هو الشعار الدائم والهدف الأبدي لهم، وحتى يفيقوا من هذا الوهم الكبير لا بد من تحرك جدي وردود فعل أبلغ من مجرد الاستنكار والشجب سواء على مستوى القيادة الوطنية أو الجامعة العربية أو منظمة التعاون الإسلامي لأن نتنياهو هو قرع ناقوس الخطر الأكبر بهذا الاقتحام.!!