فلسطين أون لاين

​(الجنّةُ تحتَ رجلَيْهَا)

...
تهاني أبو جزر


تهاني أبو جزر

عن معاوية بن جاهمة السلمي قال: إنَّ جاهِمةَ جاءَ إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، فقالَ: يا رسولَ اللَّهِ، أردتُ أن أغزوَ وقد جئتُ أستشيرُكَ؟ فقالَ: هل لَكَ مِن أمٍّ؟ قالَ: نعَم، قالَ: فالزَمها فإنَّ الجنَّةَ تحتَ رِجلَيها.

بِرُّ الوالدين وخاصة الأم أرقى وأسمى منزلة وقدراً من ذروة سنام الإسلام (الجهاد) فليس هناك طريقٌ لنيل رضا الله كبرِّهما والإحسانِ إليهما.

نظرتُ إلى نحلةٍ تقفُ على زهرة تمتصُ رحيقَها كم تتعبُ لتهدينا العسلَ ثم تذبلُ الزهرةُ بعد العطاء! فكأني أقفُ أمام نفسي وأنا أمتصُ رحيقَ أمي في شبابها، رقص قلبُها حين سَمِعَتْ صراخي لأول مرةٍ أستنشقُ نسيمَ الحياة، احتضنتني بقلبها قبل دموع فرحها وحنان صدرها، جَهَّزتْ ليَ اسماً يليقُ بحبها، ولباسًا يزدانُ بكرمها، وجعلتْ صدرَها لي سقاءً، وحجرَها لي وِكَاءً، سبقتني بالدعاء قبل أن أنادي باسمها، سَرَقْتُ زهرةَ شبابِها وجلَّ أحلامِها وكلَّ أوقاتِها، أنامُ ملءَ جفوني وترمقُ بفيضِ حبِها عيوني، تبني صرحَ الأماني وتهدهدُني بأجملِ الأغاني، وترقبُ مرورَ الدقائقِ والثواني لترى بذرتَها تنمو وزهرتَها تتفتحُ، ألعبُ بين رفاقي وهي تداعبُني بنظراتِها، أغدو للمدرسة وهي ترفدُني بدعواتِها، أتفوقُ وأحوزُ الشهاداتِ وهي تنتشي بنجاحِها، أرتقي في سلمِ العملِ وهي تجني إنجازاتِها، أمي نبعُ الحنانِ الذي لا ينضب، نهرُ العطاءِ المنسكب.

ولكن أراكِ يا نفسُ تخسرين, ولا تنصاعين لأمر رب العالمين ( وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا(24) سورة الإسراء.

أراك لا تحسنين لأمِّك، لا في شبابِها ولا كِبَرِها، لا تقولي لها القولَ الكريم، ولا تعاملينها بقلبٍ سليم، ولا تخفضين الجناحَ، ولا ترجين الفلاحَ، لا تطيبين القولَ، ولا ترتبين البيتَ، تنهرين وتتأففين وتُرسِلينَ النظراتِ الثاقبة والكلماتِ المارقة والحركاتِ الخارقة. لماذا؟؟

هل لأنها لم تستجبْ لرغباتِك الدنيوية أو نزواتِك الشهوانية؟ أم لأنها تنصحُك نصائحَ ذهبيةً بكلماتٍ وردية؟ أم لأنها تريدك أبَرَّ البنات وأفضلَ الأمهات؟ أم لأنها تريدُك عالمةً بأهمية وقتِك محددةً لهدفِك؟ أم لأنها لا تريدُك ساذجةً تتلقفُ عقلَك الصاحباتُ الفارغاتُ والصفحاتُ الهابطات؟

تأملي ماذا يجني من بَرَّ أمَّه ، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يأتي عليكم أويس بن عامر، مع أمداد أهل اليمن، مِن مُراد ثمَّ مِن قرن، كان به بَرَصٌ فبَرَأ منه إلا موضع درهم، له والدةٌ هو بها برٌّ، لو أقسم على الله لأبرَّه، فإن استطعت أن يستغفرَ لك، فافعل)، ببرِّها تَشكرُ ربَّ الأرضين والسموات، يُفَرِّجُ الله الكربات، تُستجابُ منها الدعواتُ، تُوَسَّعُ الأرزاقُ ويُباركُ اللهُ السنواتِ، تُكَفَّرُ الذنوبُ الصغائرُ والكبيرات، ويرحمُك ربُّ البريات، ببرِّها تُقبلُ الأعمالُ ويُتجاوزُ عنِ السيئات، وتدخلُ الجناتِ.

أخيراً : تقبلي مني هذه الكلمات لعلها تزهرُ في فؤادك وتعينُك على برِّ أمِّك:

بِرُّها عبادةٌ تتقربين بها لربك فاستعيني بالله على برها.

أحسني إليها وإن لم تُحسِن إليك.

ارسمي على محياها بسمةَ الرضا وعلى قلبها دعوةَ الشكر.

اجعليها سبباً لدخولك الجنة بالطاعة والقول والفعل.

اعلمي أن الجزاء من جنس العمل (بِريها يبرُك أبناؤك).

اقتدِي بالأنبياء والمرسلين والصحابة والتابعين.

اطبعي قبلةَ التودد على رأسها ويديها.