وحدها المقاومة هي القادرة على لجم الاحتلال, وإفشال مخططاته وإرباك حساباته, وعندما يصبح الاحتلال بلا كُلفة, يتمدَّد ويتوسَّع ويخطط وينفذ, لذلك كانت المقاومة هي المسار الطبيعي لمواجهة الاحتلال, ومن يشذ عن هذا القانون الفطري ينسلخ عن أدميته, ويرضى لنفسه أن يعيش كما القطعان التي يروضها المستبد والمتحكم بمصيرها.
نتنياهو الباحث عن زيادة فرصه بالفوز بالانتخابات, يواصل حملاته الاستعراضية الدعائية على حساب الدماء والحقوق الفلسطينية كما امتدّت مؤخراً جرائمه إلى بلدان عربية مجاورة محاولة تشكيل قناعات الناخب الصهيوني بأنه حامي الحمى والمدافع عن أمن (إسرائيل), بعد أن فاز نتنياهو بجوائز ترامب القيمة, بانتزاع اعتراف أمريكي بالسيادة اليهودية على القدس المحتلة والجولان السوري, ونال من السخاء العربي حظا وافرا ممثلاً بالتطبيع المخزي لبعض الأنظمة العربية, يقف كالطاووس متفاخرا بهذه الإنجازات, وهذا ما منحه الجراءة باستهداف الحقوق الفلسطينية والعدوان على البشر والحجر والشجر في فلسطين, واستهانته بقدسية المسجد الأقصى المبارك لذا المسلمين قاطبة, عبر محاولة تهويده وتقسيمه والسيطرة عليه.
نتنياهو اختار مستوطنة "الكانا" قرب محافظة قلقيلية شمال الضفة المحتلة, ليفتتح العام الدراسي الجديد, ويعلن من خلال هذا الحفل التزامه بعدم تفكيك أي مستوطنة مقامة على أراضي الضفة المحتلة, متعهداً بفرض السيادة اليهودية على المستوطنات واعتبارها جزءا لا يتجزأ من أرض (إسرائيل) كما يزعم نتنياهو, السؤال: لماذا تصدر عن رئيس حكومة الاحتلال هذه التصريحات التي تتناقض مع كل المبادئ والتفاهمات والاتفاقيات التي قامت عليها عملية التسوية؟! الجواب بكل وضوح أن نتنياهو يعلن بشكل نهائي انتهاء زمن خديعة التسوية, وها هو يغرس أنياب التهويد في جسد الضفة والقدس ولا يبالي بأي اعتراضات كلامية , فالشجب والاستنكار لغة الضعفاء, وبالتالي لم يعد لفريق التسوية أي خيارات أخرى أمام هذا الصلف والتعنت الصهيوني, والاستمرار في لغة الاستجداء والاستعطاف يشكل إهانة كبيرة للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة, كما أنّ إسقاط المقاومة من الحسابات الرسمية في الضفة المحتلة, يشجع الاحتلال على مزيد من الاستهداف والاستفراد والتغول على كل ما هو فلسطيني, في ظل غياب الردع القوي والفاعل والمنتشر على اتساع جغرافية الضفة المحتلة يوزع أنواع الغضب والثورة والمقاومة في وجه الاحتلال ومستوطنيه.
نتنياهو يستغل الفرص ويسارع الزمن لتنفيذ أطماعه التوسعية في الضفة, فالواقع المحزن هناك في ظل تكبيل يد المقاومة وخنق روح الثورة, يشكل مناخاً جيداً للاحتلال من أجل الاستمرار في العربدة والسرقة والاستيلاء, أليس الأجدر من أجل مواجهة هذا العدوان وإفشال هذه المخططات أن نسعى إلى ثورة شعبية عارمة يكون هدفها تحرير الضفة من الاحتلال واقتلاع المستوطنات كمحطة مهمة في إطار عملية التحرير الشاملة.
قبل ما يقارب من خمسة عشر عاما, قال الهالك شارون "إن نتساريم كتل أبيب", في إطار استمالة المستوطنين لصف داعميه في انتخابات الكنيست, وهذا التزام من شارون بعدم تفكيك نتساريم أو الانسحاب من قطاع غزة, ولكن غزة ورجالها كان لهم كلمة الفصل, اشتدت المقاومة وزادت ضرباتها واشتعلت المستوطنات بالنار, فلم يعد بإمكان شارون أن يفي بوعده, فكان الهروب الكبير من قطاع غزة تحت ضربات المقاومة في سبتمبر 2005م.
المواقف متشابهة والالتزامات واحدة في مسألة الاستيطان ما بين شارون ونتنياهو, فهما من خريجي مدرسة العداء للشعب الفلسطيني, واحتلال كل شبر من الأرض الفلسطينية وزرع المستوطنات في قمم الجبال وفي الهضاب والوديان, من صلب فكر الليكود واليمين الصهيوني الذي يعتبر المستوطنات خط الدفاع الأول عن الكيان الصهيوني, ومما جعل نتنياهو يتبجح ويعلن نواياه التهويدية في الضفة المحتلة, إلى جانب الدعم الأمريكي اللامحدود حيث زاد الاستيطان أضعافًا في فترة حكم ترامب, إلا أن محاصرة المقاومة في شوارع الضفة بفعل التنسيق الأمني والنظرية السياسية والأمنية التي تتبعها السلطة, كانت بمثابة السبب الرئيس في نضوج العقلية التوسعية التهويدية لذا نتنياهو وفريقه, فما أحوجنا إلى عودة قوية وواسعة للفعل الشعبي المقاوم, وأن تسارع منظمة التحرير وفصائلها إلى التبني الرسمي لثورة شعبنا ضد الاستيطان والتهويد, من أجل أن ننسف تعهد نتنياهو لمستوطني "الكانا" كما نسفت غزة تعهدات شارون لمستوطني "نتساريم", فالمقاومة هي حراسة التراب الوطني وهي الأقدر على انتزاع الحق الفلسطيني والحفاظ عليه.
--