لم يكتف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بما قدمه للمشروع الصهيوني من خدمات غير مسبوقة، وما يفرضه من ضغوط على الشعب الفلسطيني المحاصر في قطاع غزة والضفة الغربية منذ ما يزيد على عشر سنوات، بل وصل إلى مرحلة لم يعد السكوت عنها مقبولًا، لأن معنى ذلك قبول ضياع القضية والتفريط في المقدسات الإسلامية في القدس، خاصة بعد إعلان ترامب سحب اسم فلسطين والأراضي الفلسطينية من المراسلات الدبلوماسية الأمريكية كافة، ما يعني الإقرار النهائي بعدم وجود كيان باسم فلسطين، وهو ما يعارض الأعراف والمواثيق الدولية، التي تقر بوجود دولتين فلسطينية وإسرائيلية، ليس هذا فحسب، بل يعد ذلك إقرارًا عربيًّا ودوليًّا بموت وضياع الدولة الفلسطينية التي سبق أن وعد بإقامتها رؤساء سابقون للولايات المتحدة الأمريكية، وآخرهم الرئيسان بوش وباراك أوباما، ويعني ذلك أيضًا أن الولايات المتحدة لم تعد شريكًا يعتد به في عملية السلام، بعد أن تخلت عن حيادها في رعاية تلك القضية.
وتتمثل مخاطر ذلك الإعلان في أنه -يا للأسف الشديد- يعني القضاء على حلم إقامة الدولة الفلسطينية، خاصة أن هناك حالة من عدم المبالاة لدى المجتمع الدولي تجاه الإجراءات الأمريكية المستفزة، خاصة الدول العربية والإسلامية المنشغلة بقضايا هامشية وأزمات داخلية، يجعلها تترك الساحة والمجال للولايات المتحدة وإدارتها اليمينية المتطرفة، والكيان الصهيوني وحكومته اليمينية، للعبث بمقدرات وحقوق الشعوب العربية، وعلى رأسها الشعب الفلسطيني، وترتيب الأوضاع المستقبلية في المنطقة في غفلة من الحكومات والأنظمة والشعوب.
وفي حال نجح ترامب في إقرار هذه الحالة، ودفع الدول الموالية للولايات المتحدة والكيان الصهيوني إلى اعتماد قراراته، مثلما سبق أن فعل -وإن بمحدودية- عندما قرر نقل السفارة الأمريكية من (تل أبيب) إلى القدس؛ سيكون من الصعب بمكان على المجتمع الدولي تغيير تلك الحالات، وبدلًا من أن نبدأ مما انتهينا عنده عند وقف المفاوضات، لن يكون أمامنا مجال سوى البدء مما انتهت إليه الولايات المتحدة وشركاؤها الصهاينة، وفي هذه الحالة لن تكون إقامة الدولة الفلسطينية مطروحة على طاولة المفاوضات، وإنما أقصى ما سنطمح إليه هو السماح لمن تبقى من الشعب الفلسطيني بالعيش داخل حدود دولة الكيان الصهيوني، وقد تعمد الحكومة الإسرائيلية إلى إعادة ضم الضفة الغربية وقطاع غزة إلى (إسرائيل)، حتى لا يكون هناك شعب فلسطيني، وإنما أقلية صغيرة تعيش داخل حدود الدولة الصهيونية.
وفي حال استكمال ما يعرف بصفقة القرن، ومثلما هو مخطط لها سيتخلص نهائيًّا من الشعب الفلسطيني، وتُغيّر أماكن وجوده، لتمتد داخل الحدود المصرية والأردنية، بعد القضاء نهائيًّا على مشكلة اللاجئين، واستكمال حدود دولة الكيان الصهيوني بالشكل الذي يرغب فيه الصهاينة والأمريكان.
ويا للأسف الشديد، يعمد الصهاينة وحلفاؤهم الأمريكان إلى اتباع سياسة الخطوة خطوة للضغط على الشعب الفلسطيني للتسليم للإرادة الصهيوأمريكية، واتخاذ خطوات صغيرة، ولكنها على المدى البعيد يكون لها تأثيرات خطيرة يصعب التعامل معها، لذا إن لم يفق العرب، ويعوا خطورة الممارسات والإجراءات الصهيوأمريكية، ويتخذوا إجراءات مقابلة لتثبيت حقوقهم، والحفاظ على مكتسباتهم؛ فسوف نصحو يومًا وقد ضاعت القدس وهدمت المقدسات، وبني الهيكل المزعوم على أنقاضها.
الوطن العمانية