صراع مستميت يخوضه رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ليبقي رأسه "فوق الماء" في الحياة السياسية الإسرائيلية دون أن يغرق تحت ملفات الفساد؛ مسابقًا الزمن لتشكيل ائتلاف حزبي يضمن له الفوز في انتخابات الكنسيت هذا الشهر.
وخلال مؤتمر عقده مع رئيس حزب الهوية المتطرف موشي فيجلن، أعلن الأخير عن انسحابه من الانتخابات القادمة لصالح الليكود مقابل عدة امتيازات يمنحها نتنياهو لفيجلين وحزبه وقع عليها الطرفان في مسودة مكتوبة سيصدق عليها الطرفان نهائيًّا الأسبوع القادم، وهو ما عدته جماعات الهيكل "إنجازًا تاريخيًّا".
ويقضي الاتفاق بتسهيل دخول المقتحمين للمسجد الأقصى وتقليل فترة انتظارهم، ما قد يعني زيادة الساعات التي تسهل فيها شرطة الاحتلال دخول المقتحمين، كما يقضي الاتفاق بوضع لوحات إرشادية للمقتحمين باللغة العبرية داخل باحات الأقصى، وهي تعهدات تمهد لمستوى جديد من العدوان على المسجد خلال الانتخابات، وما بعدها في حال فوز نتنياهو، وفق مراقبين.
أزمة حادة
الباحث في شؤون القدس زياد الحسن، يقول: "إن نتنياهو يقف أمام أزمة حادة، إذ يواجه تهمًا قد تنتهي به في السجن لو لم تكن هناك انتخابات، لذلك هو يشكل تحالفاته على أساس قوى اليمين الحريصة عليه باعتباره ممثلها، لكنها ستقايض تشريع الحصانة له مقابل مكتسبات تطلبها".
وأضاف الحسن لصحيفة "فلسطين": "هذا ما قد يسمح بتغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى كأحد البنود المعلنة للاتفاقات الانتخابية بين نتنياهو والكتل اليمينية، وهذا يحصل لأول مرة في تاريخ الاتفاقات الانتخابية".
الانعكاس الأبرز في حال فور نتنياهو وتشكيله حكومة على قاعدة هذا التفاعل سيكون وضع تهويد الأقصى في قلب أجندة الحكومة المقبلة، بحسب الباحث في شؤون القدس.
وأوضح أن مشروع تهويد الأقصى وتغيير الوضع القائم فيه يتبناه نتنياهو على المستوى الشخصي، "ويجب ألا ننسى أن شبكة أنفاق الحائط الغربي افتتحت في عهد حكومته الأولى عام 1996، ورغم أن هذا الافتتاح قوبل بهبة فلسطينية ارتقى فيها عشرات الشهداء إلا أن نتنياهو أصر على تمريره".
ويشير الحسن إلى أن الاتفاقات التي تلزم نتنياهو بمزيد من العدوان على الأقصى "تلبي قناعاته الشخصية وتسهل عليه تنفيذها وتظهره بصورة المضطر للالتزام بها، وهذا ما يفسر إقباله عليها وتفضيله لها على الاتفاق مع القوى الأخرى".
وقال: "هذا يعني أن نتنياهو لن يتراجع عن الاتفاق من تلقاء نفسه وستكون نتائج التطبيق على الأرض هي المؤشر على المضي في الاتفاق أو التراجع عنه".
ويرى أن وصف جماعة الهيكل الاتفاق بـ"الإنجاز التاريخي"، مرده أنه لم يسبق لهذه الجماعات أن انتزعت اتفاقات مكتوبة من أي رئيس حكومة إسرائيلية، إنما كانت تحظى باحتضان اليمين عمومًا لأجندتها.
لكنها هذه المرة -ونتيجة أزمة نتنياهو الحالية- نجحت في تكريس أجندتها كأساس لبناء الائتلاف الحاكم، خصوصاً وأن بنية جماعات الهيكل تؤهلها لضمان تنفيذ الالتزامات المتفق عليها، لا سيما أن الجماعات موزعة بين حزب الهوية بزعامة موشيه فيغلين الذي عُقد معه الاتفاق، واليمين الجديد، وحزب الليكود ذاته برئاسة نتنياهو.
حالة ضعف
ويقول المختص في الشأن الإسرائيلي فرحان علقم، إن نتنياهو يتهافت لـ"خبطة يد" المتدنيين لجمع أصواتهم في الانتخابات القادمة، وهذا يدلل على حالة الضغط والهون التي تعانيها الأطراف المتنافسة كافة على الحلبة السياسية الإسرائيلية وخاصة نتنياهو.
وأضاف علقم لصحيفة "فلسطين" بأن استطلاعات الرأي تحبط نتنياهو وتقلقه كثيرًا، لأن فرصه -حسب نتائجها- أقل من فرصه بالجولة السابقة التي لم يستطِع فيها تشكيل حكومة، فماذا عساه أن يفعل والخناق يضيق عليه؟
ولفت إلى أن نتنياهو ينزاح أكثر نحو اليمين، على الرغم أنه يقع بأقصى اليمين، ويغري المتطرفين "المتدينين" من خلال التنازلات التي قدمها بأنه يمكن أن يمثل طموحهم وآمالهم، وهذه دلالة واضحة على اهتزاز صورته وهبوط مستوى معنوياته السياسية.
فالمهم بالنسبة لنتنياهو بالدرجة الأولى، والكلام لعلقم، أن ينقذ نفسه من شبح ملفات الفساد ومصير من سبقوه مثل "إيهود أولمرت" وغيرهم من المسؤولين الذين احتلوا مواقع متقدمة، لذلك يدافع بشراسة عن نفسه وعن مستقبله السياسي، فالصراع بالنسبة له صراع بقاء.
وعن مدى تأثير المتدينين في الانتخابات الإسرائيلية، أوضح أنه حجمهم ليس كبيرًا وقد لا يزيد عدد المقاعد التي سيمنحونها لنتنياهو عن خمسة، لكن الأخير يصارع على الكتل الصغيرة، ففي الانتخابات السابقة كان بحاجة لمقعدين لتشكيل حكومة، وهذه المرة يتسول لحجز مقعد واحد، مقابل تنازلات كبيرة.
ويقول علقم: "تنازلات نتنياهو أبعد مما يتوقع المتطرفون من أجل تأمين نفسه من مقصلة الانتخابات، وفي حال فوزه لن يكون أي انفراجة سياسية مع الفلسطينيين وتؤشر تنازلاته الأخيرة للمتدينين على استمرار الهجمة على القدس واستمرار تهويد والهدم والاستيطان بوتيرة أعلى".