الحدث الإجرامي الاستثنائي الذي استهدف رجال الشرطة الفلسطينية في مدينة غزة، رغم نتائجه الصعبة بارتقاء ثلاثة شهداء وإصابة آخرين، إلا أنه حادث معزول أبتر لا يتمتع بأي حاضنة له، يأتي في سياق محاولات الاختراق الاستعراضية لحالة الأمن السائدة في قطاع غزة، والتي تنفذها جهات مخابراتية معادية بأدوات متنوعة، ومن بينها أسلوب التفجيرات والتي تحصل في فترات متباعدة، بفضل جهود الأجهزة الأمنية ويقظتها والوعي الكبير الذي يتمتع به أهلنا في قطاع غزة عبر نبذهم ورفضهم لكل ظواهر الفوضى والفلتان والتطرف.
ما خلفه التفجير الآثم خسارة كبيرة بفقدان ثلاثة فلسطينيين من أفراد الشرطة كانوا يرابطون ليلاً على الحواجز من أجل ضبط الحالة الأمنية والحفاظ على أرواح وممتلكات المواطنين، كما هي الخسارة مؤلمة على الصعيد العائلي لذوي هؤلاء الشهداء، ولكل واحد من هؤلاء الأطهار. حكاية مؤثرة يرويها حزن أطفالهم وعوائلهم وأصدقائهم على فقدانهم المفاجئ، ولكن في قراءة سريعة للمشهد العام بعد حادثة التفجير الإرهابية يمكن أن نلاحظ ما يلي:
1- حالة الترقب والمتابعة العالية لدى سكان قطاع غزة لكل الأحداث السياسية والميدانية. فما أن حصل التفجير حتى وصلت أخباره لأغلب البيوت في قطاع غزة، بل واصلت شريحة واسعة متابعة الحدث حتى ساعات الفجر في انتظار أي تفاصيل جديدة، إلى جانب حالة التعاطف الكبير والدعم والإسناد لأفراد الأجهزة الأمنية في مواجهة الحدث التخريبي، وهذا يعكس حيوية المجتمع الغزي وتفاعله مع الأحداث العامة.
2- أداء راقٍ واحترافي للمنظومة الإعلامية في وزارة الداخلية الفلسطينية بغزة؛ فلقد أصدرت التصريحات المقتضبة والتعميمات الموجزة عن التفجير الإجرامي، وبذلك أطلعت الجمهور الفلسطيني على ما نتج من تحقيقات أولية ومعلومات فورية عن طبيعة الحدث، وحددت طبيعة الحادثة بعدما اعتقدت بعض وسائل الإعلام المحلية ونشطاء مواقع التواصل أن الحادثة جريمة اغتيال صهيونية.
3- تمتلك الأجهزة الأمنية في قطاع غزة، منظومة تحقيق ميداني ذات خبرة وكفاءة، تمكنت من كشف نقطة البدء بمسار التحقيق بحرفية عالية، وبذلك حصرت كافة خياراتها ووجهت مختلف أدواتها نحو الوجهة الحقيقية للكشف عن الجريمة بكافة أركانها.
4- الرفض الشعبي والفصائلي العارم للجريمة البشعة والحضور الجماهيري الكبير في جنازات الشهداء الثلاثة بمثابة رسالة تحصين للوعي المجتمعي أمام ظواهر التطرف والتخريب ونزع أي غطاء عائلي أو فصائلي عن هذه الظواهر والوقوف الحازم أمام أي تبريرات واهية من أصحاب النفوس المريضة أو الأدوات الإعلامية المعادية.
5- درجة التنسيق العالية ما بين الأجهزة الأمنية الحكومية والأذرع العسكرية الفاعلة للفصائل الفلسطينية؛ حيث لوحظ الانتشار السريع لرجال المقاومة لمساندة أجهزة الأمن والمشاركة في ضبط الميدان تفاديا لأي طارئ.
6- الاحتضان الفصائلي للأجهزة الأمنية في غزة عبر بيانات الإدانة الصادرة من لجنة المتابعة للقوى الوطنية والإسلامية ولجنة قوى المقاومة الفلسطينية والزيارات التي نفذها قادة الفصائل للحواجز الأمنية ولمقرات الشرطة؛ دعما وإسنادا لهم في أدائهم لواجبهم بفرض القانون وبسط الأمن.
لقد كشفت الحادثة الآثمة عن قوة ومنعة قطاع غزة من محاولات الاختراق الناعمة والدموية على حد سواء، وهذا ما رأيناه من الإجماع الوطني على رفض الجريمة وإدانتها بكل لغات الرفض والسخط على مرتكبيها وأفكارهم الضالة المتعارضة والمتصادمة مع نصوص الشريعة الغراء، والخارجة عن ثقافة وأعراف شعبنا الفلسطيني، بعض الأصوات النشاز التي حاولت القراءة المشوهة للحادث الإجرامي تكشف عن نفوس مريضة بالأحقاد منزوعة الوعي، أو أنها شريكة في العدوان الآثم الذي يستهدف قطاع غزة كقلعة للصمود الوطني..
الرحمة للشهداء والشفاء العاجل للجرحى، وحفظ الله غزة وأهلها وفرسانها، والخزي والعار للعدو الصهيوني وأعوانه.