"سنبقى مضربين؛ حتى يسترد ابني كرامته وحريته".. لم تتخيل والدة الشاب مؤمن نزال المعتقل لدى جهاز الأمن الوقائي التابعة للسلطة الفلسطينية برام الله، أن تخوض ونجلها المعتقل منذ 186 يومًا، إضرابًا مفتوحًا عن الطعام؛ للمطالبة بانتزاع حريته ليس من الاحتلال الإسرائيلي بل من جهاز أمني فلسطيني يفترض أن وظيفته الأساسية حمايتهم وليس اعتقالهم.
ففي 24 فبراير/ شباط الماضي، اعتقل الوقائي "نزال" الذي يدرس الهندسة الكهربائية في جامعة بوليتكنك فلسطين "خضوري" بطولكرم، ورغم أنه حصل على قرار بالإفراج من محكمة الصلح برام الله في 16 يوليو/ تموز الماضي، إلا أن الوقائي رفض الإفراج عنه، وأعاد اعتقاله على قضية جديدة، ليضيع الفصل الدراسي الثاني وكذلك الفصل الصيفي، وربما الفصل الدراسي القادم إن لم يتم الإفراج عنه.
"أضربنا، لأن ليس هناك حل، ولا يريدون الإفراج عنه".. بدا صوت والدة نزال متعبًا في حديثها الهاتفي مع صحيفة "فلسطين"، وهي تضيف: "تعبنا طوال هذه المدة، لقد أضاعوا عليه دراسته الجامعية، فأعلن ابني إضرابه منذ الأحد الماضي وساندته في ذلك بإضرابي المفتوح إلى أن يتم الإفراج عنه حتى لو مات في سجون السلطة، فذلك أهون عليَّ من أن يبقى يعاني في السجون".
وتتهكم من التهمة الموجهة لنجلها: "يوجهون إليه تهمًا غريبة بإثارة نعرات طائفية وتشكيل خلايا مسلحة، والمشاركة في تشكيل القوة التنفيذية، رغم أن عمره كان حينها أربع سنوات، فبأي عقل توجه له هذه التهم؟".
"يأسنا من التفتيش والذل، كل أسبوع نقطع 100 كيلومتر لزيارته في رام الله"، هكذا لخصت جانبًا من معاناتها، مردفة: "أخبر ضباط الوقائي ابني أنهم سيمددون اعتقاله شهرًا إضافيًا، وأن ذلك بالاتفاق معنا، مع أننا لم نتفق معهم ولم يتصلوا أو يأخذوا رأينا في أي شيء، محاولين الالتفاف على قضية إضرابه المفتوح، ألا يكفي أنه حرم من الدراسة؟".
احتفال مرتقب
أما باسل فليان، فقد مرت خمسة أعوام على انخراطه في التعليم الجامعي في تخصص المحاسبة بكلية التجارة في جامعة بير زيت، تعرض خلالها لاعتقال لدى الاحتلال استمر ثمانية أشهر ومرتين لدى أجهزة أمن السلطة.
على أحر من الجمر وبعد التخلص من شبح الاعتقالات كانت العائلة تتجهز لحضور حفل تخرجه في الجامعة المقرر في 2 سبتمبر/ أيلول القادم، لكن قرار محكمة رام الله بجلستها الخميس الماضي تمديد اعتقاله 15 يومًا، بدد تلك الفرحة.
فما كان لوالدته إلا أن تعلن خوضها إضرابًا مفتوحًا عن الطعام منذ ستة أيام، تبعها في ذلك الإضراب ابنها المعتقل الذي يواصل إضرابه منذ ثلاثة أيام، على أمل أن يتم الإفراج عنه كي يتمكن من حضور حفل تخرجه.
يقول شقيقه شادي لـ"فلسطين": "أحضرنا للمحكمة كل الأوراق التي تثبت إنهاء أخي المتطلبات الدراسية، وأن لديه حفل تخرج، لكن قرار المحكمة بالتمديد صدمنا لأنه سيحرمنا من فرحة انتظرناها خمسة أعوام".
هل ستسمح المحكمة لفليان بحضور التخرج؟، سؤال يتمنى شقيق المعتقل تحققه، لكن ضيق الوقت وقرب موعد حفل التخرج يجعل ذلك مستحيلا خاصة مع قرار التمديد، قائلًا: "إن ما تعرض له أخي اعتقال سياسي يستهدف نشاطه النقابي كعضو بالكتلة الإسلامية في الجامعة، من خلال تهم جاهزة إما التعامل مع جمعيات بطرق غير قانونية وإما جمع أموال بطريقة غير مشروعة".
خلال فترات اعتقاله، والكلام لشقيقه، تعرض باسل لإجراءات تحقيق قاسية من ضرب وشبح وتوجيه شتائم.
اعتقالات متصاعدة
وأمام استمرار وتصاعد حالات الاعتقال السياسي في سجون السلطة، أطلقت المعتقلة السابقة سهى جبارة التي أمضت 67 يومًا في سجون أمن السلطة، مبادرة تحمل اسمها وتختص برعاية ضحايا التعذيب ومعتقلي الرأي، من خلال توثيق ورصد الانتهاكات التي تجري مع المعتقلين السياسيين في أثناء الاعتقال بالإضافة لرعايتهم نفسيًا بعد الإفراج عنهم.
وقالت جبارة لـ"فلسطين": إن الهدف من المبادرة متابعة المعتقلين السياسيين لدى السلطة، لضمان محاكمتهم محاكمة عادلة، وأنها مبادرة شخصية أطلقتها بالتعاون مع محامٍ بريطاني والمحامي المختص بمتابعة قضايا المعتقلين مهند كراجة.
وتصف جبارة الدور الذي تلعبه مؤسسات حقوق الإنسان بمتابعة قضايا المعتقلين بـ"الصوري"، مشيرة إلى تصاعد حملات الاعتقالات السياسية خلال الفترة الحالية بعد أن اعتقلت السلطة 16 شابًّا خلال الأيام الماضية.
فيما قال المحامي كراجة في تصريحات سابقة لـ"فلسطين": إنه في قضايا الاعتقال السياسي لا يوجد تهم حقيقية ولا قضايا، ويتم استخدام القضاء لتمديد الاعتقال، معتبرًا اعتقال الشاب نزال تعسفيًّا لكونه لم توجه إليه لوائح اتهام، وأنه محتجز بطريقة غير قانونية.
وأكد أنه لا يجوز محاكمة الشخص أكثر من مرة على نفس التهمة، مبينًا أنه لا يوجد إجراءات محكمة، وأن ما يتم هي طلبات تمديد من قبل النيابة برام الله على ذمة الوقائي.