تطفو على السطح في جامعة الأزهر بغزة أزمة تجديد تعيين رئيس الجامعة أ.د.عبد الخالق الفرا في المنصب ذاته لثلاث سنوات، في خطوة تراها نقابة العاملين "غير قانونية"، في حين يراها مجلس الأمناء الذي يوصف بـ"المسيِّر" حاليًّا، قرارًا "منسجمًا مع القانون"؛ لكنَّ مسؤولين يؤكدون أن لهذه الأزمة أبعادًا سياسية فتحاوية.
ويسود جامعة الأزهر بغزة، التي تأسست عام 1991 بقرار من الرئيس الراحل ياسر عرفات، إضراب دعت إليه نقابة العاملين في الجامعة، فضلًا عن اعتصام أمام بوابتها الرئيسة، وهو المكان الذي نشب فيه خلال الأيام الماضية شجار في إثر الأزمة المذكورة, انتشرت مقاطع الفيديو التي توثقه في مواقع التواصل الاجتماعي كالنار في الهشيم.
وفي 10 أغسطس/ آب الماضي، نشر رئيس مجلس أمناء جامعة الأزهر المستقيل من هذا المنصب د. إبراهيم أبراش في موقع فيسبوك، كتاب استقالته الموجه لعباس، ذاكرًا أن المشكلة التي تواجهه هي مع "البعض في قيادة تنظيم حركة فتح ومحاولة التدخل في عملي وفرض رئيس للجامعة على غير إرادتي وإرادة مجلس الأمناء، وإبقاء الجامعة في حالة احتقان وتوتر".
وتحدث أبراش عن أنه فهم من كتاب تكليفه برئاسة مجلس الأمناء رغبة في نهج ورؤية للجامعة مختلفة، قائلا: "من كان سابقا رئيسًا لمجلس الأمناء ولمدة 10 سنوات وهو الدكتور عبد الرحمن حمد القائد الفتحاوي، وعلى رأس الجامعة الدكتور عبد الخالق الفرا لمدة 8 سنوات وتم التمديد له لسنة أخرى وهو أيضًا اختيار فتحاوي وكان تنظيم فتح في غزة يتابع أمور الجامعة".
وذكر أبراش في كتابه أنه خلال هذه الفترة الطويلة "سقطت الجامعة بيد جماعة دحلان" -على حد تعبيره- ومن سماهم "كل الموتورين والحاقدين".
وتابع: "مع قرب انتهاء العقد المبرم مع د. الفرا في 31 أغسطس (الجاري) وبعد استشارة اللجنة القانونية للمجلس التي أوصت بعدم جواز التمديد لرئيس الجامعة، قرر مجلس الأمناء بالإجماع عدم التمديد والبحث عن رئيس جامعة جديد إلا أن البعض من قيادة فتح رفضوا تغيير رئيس الجامعة ومصرون على التمديد له وهو ما يتعارض مع أنظمة الجامعة ومع رأي اللجنة القانونية في مجلس الأمناء".
وتنص المادة (33) من "القرار بقانون" بشأن التعليم العالي لعام 2018، الذي أصدره رئيس السلطة محمود عباس في رام الله، على أنه "يرأس الجامعة رئيس يحمل درجة الأستاذية، يتفرغ لإدارتها تفرغًا تامًّا لمدة ثلاث سنوات، تجدد لمرة واحدة فقط".
"تجاوز صارخ"
من جهته قال رئيس نقابة العاملين في "الأزهر" د. أيمن شاهين: إن ما فجر الأزمة هو ما وصفه بـ"التجاوز الصارخ للنظام والقانون بإعادة التعيين (لرئيس الجامعة الحالي) للمرة الرابعة"، مضيفا: بعد استقالة د. أبراش أصبح مجلس الأمناء مسيرا للأعمال "ولا يمتلك هذه الصلاحية بالمطلق"؛ وفق قوله.
وأوضح شاهين لصحيفة "فلسطين"، أن "الجامعة محتقنة نتيجة لهذه السياسات"، مرجعًا قرار مجلس الأمناء "المُسيِّر"، إلى ما سماها "أجندة سياسية معينة".
وقال: "لقد بلغ السيل الزبى في الاعتداء على القوانين والكيل بمكاييل متعددة لكل موظف حسب الولاءات"، مضيفا: "الولاءات منذ التعيين الثالث لرئيس الجامعة أصبحت المعيار الأساسي في التعامل مع كل موظف في الجامعة"؛ وفق قوله.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 قال رئيس نقابة العاملين السابق في الجامعة د. أحمد التيان لصحيفة "فلسطين": إن مجلس الأمناء طلب من رئيس الجامعة آنذاك د. هاني نجم، تنسيب مجلس جامعة جديد، لكنه أرسل إليهم كتابًا برفض ذلك، ما دفع بمجلس الأمناء إلى عزله، ولم يكن مضى على تعيينه سوى خمسة أشهر.
ويسود اعتقاد على نطاق واسع بأن الأزمة القائمة في جامعة الأزهر تأتي في سياق الخلاف بين عباس، رئيس حركة فتح، والقيادي المفصول من الحركة محمد دحلان.
وتساءل شاهين: هل الجامعة بهذا العدد من الأكاديميين، أكثر من 55 أستاذ دكتور، تعجز عن أن يكون هناك رئيس جديد؟ مردفا: "هذه مصيبة وإساءة لعقولنا".
ووصف شاهين عملية التعيين للمرة الرابعة بأنها "اعتداء على العقول قبل أن يكون على القانون".
وقال عن مجلس الأمناء بعد استقالة أبراش من رئاسته: "هذا المجلس في أحسن حالاته إن سقطت شرعيته فهو مجلس مسير، والمجلس المسير في كل مؤسسات الدنيا لا يمتلك صلاحية تعيين أو أخذ قرارات مصيرية".
لا تراجع عن الإضراب
وعن الشجارات التي نشبت أمام البوابة الرئيسة الجامعة، رأى أن "هذه عملية لا تذكر ونحن في الجامعة العاملين جميعًا إخوة وزملاء وأسرة واحدة"، مردفًا: "عقولنا وقلوبنا منفتحة لكل المبادرات والجهات التي تتدخل لإيجاد حل ينسجم مع النظام والقانون في الجامعة".
وبيّن شاهين أن الإضراب في الجامعة منذ 20 من الشهر الجاري، يشمل تعطيلا كاملا لعملها، مؤكدا استمراره حتى الوصول إلى حل للأزمة.
وتنظم النقابة أيضًا اعتصاما دوريا أمام بوابة الجامعة، يشهد "تجاوبا كبيرا من قبل الأغلبية الساحقة من العاملين".
وأشار شاهين إلى محاولات من القوى الوطنية والإسلامية للوصول إلى حل للأزمة التي تمر بها الجامعة، متهما مجلس الأمناء بأنه "صنع" هذه الأزمة بقراره "المخالف للقانون والنظام".
تغول تنظيمي
من ناحيته قال رئيس المكتب الحركي (لحركة فتح) في جامعة الأزهر د. جبر الداعور: إن اللجنة القانونية في مجلس الأمناء هي التي تفسر نظام جامعة الأزهر، ولم تجز التمديد لرئيس الجامعة لمرة رابعة.
وأضاف الداعور لصحيفة "فلسطين": كأكاديميين من حقنا أن نتنافس على موقع رئاسة الجامعة.
ورأى أنه لو احتكم مجلس الأمناء "المسير" للنظام والقانون لتبنى مباشرة قرار عدم التمديد لرئيس الجامعة، لكنه أشار إلى ما وصفه "تغول قيادات تنظيمية من خارج الجامعة حاولت أن تجعل هذه القضية سياسية، والنظام والقانون لا يسمحان بذلك، وأيضًا العقل والمنطق لا يسمحان بذلك".
وأوضح أن بقاء رئيس واحد للجامعة لمدة 12 عاما يعني "إغفالا" لكل الكوادر الأكاديمية والعلمية في جامعة الأزهر، متسائلا: "لماذا هؤلاء نقلل من شأنهم؟".
"حق حصري"
لكنَّ مجلس أمناء الجامعة رأى أن "افتعال الأزمة الحالية ما كان لها أن تتم لو احتكم القائمون عليها للقانون والنظام، والذي بموجبه تم تعيين رئيس الجامعة باعتبار ذلك حقًا حصريًا لمجلس الأمناء".
وأوضح المجلس في بيان صدر في 22 أغسطس 2019، أنه "قام طبقًا لصلاحياته وبالاستناد إلى النظام الأساسي لجامعة الأزهر وللقرار بالقانون الخاص بالتعليم العالي الصادر في 2018،بتعيين أ. د. عبد الخالق الفرا رئيساً لجامعة الأزهر لمدة ثلاث سنوات".
ورأى أن "القرار قُوبل بترحيب من الموظفين في جامعة الأزهر، كما قُوبل أيضا بردة فعل غير قانونية من قبل بعض أعضاء النقابة، حيث دعت وقامت بإغلاق أبواب الجامعة، وارتكاب العديد من المخالفات والاعتداءات على الموظفين والطلبة"؛ على حد ما جاء في البيان.
وأكد المجلس عزمه "اتخاذ الإجراءات القانونية لضمان سلامة العملية التعليمية والحرص على كرامة العاملين والطلبة على حد سواء"، مبينًا أنه مع تجديد تأكيده أن "قراره بتعيين رئيس جامعة الأزهر جاء منسجماً مع القانون، فإنه يؤكد التزامه واحترامه الكامل للأنظمة والقوانين الناظمة لذلك".
صراع سياسي
لكن أستاذ العلوم السياسية الفلسطيني في جامعة السلطان قابوس د. هاني البسوس قال: يبدو أن الخلاف الجوهري في جامعة الأزهر، سياسي وليس قانونيًّا.
وأضاف البسوس لصحيفة "فلسطين": هناك إصرار من عباس شخصيًّا "لفرض نفوذه على جامعة الأزهر والتي تعد أكبر معقل لحركة فتح في قطاع غزة، وبالمقابل معظم العاملين في الجامعة من مؤيدي (ما يُعرف) التيار الإصلاحي في حركة فتح والدليل فوز هذا التيار في انتخابات نقابة العاملين".
وتمم المحلل السياسي: "الأوضاع في جامعة الأزهر باتت واضحة في مدى الانقسام الحاصل في حركة فتح".