أكدت شخصيات مقدسية أن المسجد الأقصى يعاني حرائق صامتة متعددة بسبب الاحتلال الإسرائيلي، مشيرين إلى أن تلك الحرائق يتمثل بعضها في استمرار الحفريات تحت أساساته، إضافة إلى الاقتحامات اليومية التي يقوم بها المستوطنون، وغير ذلك من الممارسات العدوانية.
وذكرت الشخصيات أن الاحتلال لا يدخر جهدًا في توسيع أنشطته التهويدية بحق الأقصى، مشيرين إلى أن المقدسيين وإن كانوا يصرون على الصمود والبقاء إلا أنهم يقفون في المعركة وحدهم دون أي مساندة عربية أو إسلامية.
ووافقت أمس الذكرى الخمسون لجريمة حرق المسجد الأقصى عام 1969، حينما اقتحم يهودي أسترالي الجنسية، يدعى دينيس مايكل روهان، المسجد من باب الغوانمة، وأشعل النار في المصلى القبلي.
وشبَّ الحريق في الجناح الشرقي للمصلى الواقع في الجهة الجنوبية من المسجد، وأتت النيران على واجهات المسجد وسقفه وسجاده وزخارفه النادرة، وكل محتوياته من المصاحف والأثاث، وتضرر البناء بشكل كبير، مما تطلب سنوات لترميمه وإعادة زخارفه، كما كانت.
وزعمت دولة الاحتلال في حينه أن الحريق كان بفعل تماس كهربائي، لكن بعد أن أثبت المهندسون العرب أنه تم بفعل فاعل، تراجعت سلطات الاحتلال واكتفت باتهام المستوطن دينيس روهان بالمسؤولية عن الحريق وأنها ستقدمه للمحاكمة، ولم يمضِ وقت طويل حتى ادعت أنه معتوه ثم أطلقت سراحه.
واقع عربي ضعيف
ويؤكد الخبير في شؤون مدينة القدس، د. جمال عمرو، أن واقع الأمتين العربية والإسلامية السيئ منذ حريق المسجد الأقصى ينحدر نحو الضعف والاستكانة، مشيرًا إلى أن الأقصى يعيش حرائق صامتة بشكل يومي.
ولفت في حديثه لصحيفة "فلسطين"، إلى أن الحفريات في أساسات المسجد وحملات الاقتحام اليومي زادت بشكل غير مسبوق خال الفترة الأخيرة، إذ بات المسجد معلقًا في الهواء ترتع فيه سوائب المستوطنين، محذرًا من أن هدم المسجد ربما يكون وشيكًا إذا بقي الوضع على ما هو عليه.
وشدد المعماري المقدسي على وجوب أن يستمر المقدسيون ومن يستطيع من أهالي الضفة الغربية في تكثيف الرباط في المسجد الأقصى من أجل حمايته من عدوان الاحتلال والمستوطنين.
وشدد على أن شد الرحال في هذه الأوقات للأقصى هي واجب على كل فرد يستطيع ذلك، موضحًا أن الرباط في الأقصى هو نوع من أنواع تثبت الهوية الإسلامية الفلسطينية فيه وأداء لشعيرة دينية توجب الحفاظ على المقدسات.
وأوضح أن العجز الرسمي العربي والفلسطيني يعني القبول بالأمر الواقع، وهذا الأمر الخطير الذي يهدف إليه الاحتلال، مضيفًا: "كنا نقول إن الأقصى في خطر، لأننا نستشرف المخططات الاحتلالية المعدة للتنفيذ في الأوقات المتلاحقة، والآن نستطيع القول إن الأقصى في خطر حقيقي وواقعي، ولا بد من التحرك وعدم السكوت عن هذه الإجراءات العدوانية".
وأشار عمرو إلى أن سلطات الاحتلال تحاول أن تستخرج أبشع ما لديها من وسائل دنيئة وعدوانية من أجل معاقبة المقدسيين والمرابطين، الذين لم تثنِهم هذه الممارسات عن شد الرحال والرباط والنفير إلى المسجد الأقصى.
وحذر من أن المرحلة التي يمر فيها المسجد الأقصى حاليًّا، هي الأخطر في تاريخه، وهي ليست عاصفة مارَّة، بل هي مدمِّرة، لافتًا إلى أن هذه المرحلة هي "تكسير عظام" داخل المسجد الأقصى من قبل الاحتلال والمستوطنين، والجميع يتحمل المسؤولية المباشرة؛ قادةً وشعوبًا وعلماء.
طغيان وعدوان
من جهته، أكد خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري، أن سلوك الاحتلال منذ جريمة حرق المسجد الأقصى في عام 1969 لم يزدد سوى طغيان وعدوان على الأقصى والمقدسيين وبكل الوسائل المتاحة وغير المتاحة.
وأشار في حديثه لصحيفة "فلسطين"، إلى أن الجمعيات اليهودية ومعها الأذرع الإسرائيلية المختلفة، تعمل وفق خطط منظمة وعملية ممنهجة، للسيطرة على الأقصى"، موضحًا أن "المنظمات الصهيونية تتنافس فيما بينها، لتجنيد أموال هائلة لتواصل استباحة باحات الأقصى".
وبين صبري أن سلطات الاحتلال لا تكترث سوى لإرضاء المستوطنين والمتطرفين في الشارع الإسرائيلي، على حساب المرابطين والمسجد الأقصى، مؤكدًا أن دولة الاحتلال تجند كل مقدرتها لحماية المستوطنين الإرهابيين وقهر المقدسيين.
وأشار إلى أن واجب نصرة المقدسيين يقع بالدرجة الأولى على السلطة الفلسطينية والأمتين العربية والإسلامية من خلال ممارسة الضغط بكل أشكاله على الاحتلال، مؤكدًا أن صمود المقدسيين سيكون حاسمًا في كسر شوكة الاحتلال ومستوطنيه.
ونبه صبري إلى أن العمل يجب أن يكون على مستويات عدة منها: المستوى السياسي من خلال خطوات تأخذها السلطة والأنظمة العربية تجاه الاحتلال، والمستوى الشعبي من خلال زيادة وتيرة رحلات الرباط في الأقصى للفلسطينيين في الضفة والداخل المحتل.
ودعا الأمة العربية والإسلامية إلى التنبه للحال الذي وصل إليه المسجد الأقصى، على اعتبار أن مخططات الاحتلال في الاستيلاء عليه أو إقامة "الهيكل" المزعوم هي في الجزء الأخير من عمليات التهويد المحدقة بالقدس والأقصى.
إنهاء الانقسام
فيما اعتبر رئيس مركز القدس الدولي د. حسن خاطر خلال حديث لصحيفة "فلسطين" أن إنهاء حالة الانقسام السياسي خطوة مهمة لإطفاء حريق المسجد الأقصى.
وقال خاطر: "الكل الفلسطيني بات على قناعة واضحة بأننا وحدنا في هذا العالم, وأن قضيتنا وثوابتنا بحاجة إلى أن نخرجها من حالة التيه التي تسببت بها سنوات الانقسام وانعكاساته الخطيرة على مكونات القضية وفي مقدمتها القدس والمسجد الأقصى".
ودعا كل الفصائل إلى تغليب كلمة القدس على كل المصالح الحزبية الضيقة, وقطع الطريق عمن يحاولون توظيف الانقسام كشماعة لتمرير مخططات مشبوهة, يقف خلفها الاحتلال ومن يسانده من دعاة التطبيع وتفريغ القدس من هويتها الدينية التاريخية.
وبين خاطر أنه من دون جسم مؤسسي فلسطيني، لا يمكن صياغة موقف عربي وإسلامي فاعل لنصرة القدس والمقدسات، مشيرًا إلى أن الاضمحلال والتلاشي في الموقف العربي والإسلامي إزاء القدس في السنوات الأخيرة سببه الرئيس استمرار حالة الانقسام الداخلي وغياب الموقف الفلسطيني الموحد والقادر على القيادة والتأثير في هذه القضية الجوهرية.
كما حمل الصمت العربي الرسمي المسؤولية في تهيئة الأجواء للمحتل بالإمعان في جرائمه التي أبقت النيران مشتعلة في المسجد الأقصى من خلال ما يرتكب بحقه من ممارسات, لم يدرك العرب معها عن الخطر الحقيقي الذي يكتنف الأقصى.