في الذكرى الخمسين لإحراق المسجد الأقصى المبارك، وفي هذا اليوم الأليم، حيث اشتعلت نيران الحقد في جنبات المسجد الأقصى المبارك مسرى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وقبلة المسلمين الأولى، منذ أن احتلت القدس حتى يومنا هذا ما زالت النيران مشتعلة في جنبات المسجد الأقصى المبارك وفي أزقة وحواري وبلدات القدس، وما زالت نيران الحقد تصب جام غضبها على القدس وأهلها ومسجدها الأقصى المبارك.
فالمسجد الأقصى ومدينة القدس يعيشان اليوم في أخطر مراحل حياتها ومنذ بنائها؛ فالعقلية الصهيونية تعمل جاهدة لإلغاء طابع هذه المدينة وجعلها مدينةً يهودية الوجه والقلب واللسان، متجاوزة قدسيتها لدى المسلمين والمسيحيين على حدٍّ سواء وطمس معالمها العربية والإسلامية.
فالقدس والأقصى في خطر، الأرض والسكان، الحاضر والمستقبل، والاحتلال يسعى لتهويدها حجراً حجراً، ولتهجير سكانها وحصارها اقتصادياً واجتماعياً وممارسة كافة أشكال الإذلال والتضييق والاستفزاز من هدم البيوت ومصادرة للممتلكات وسحب للهويات وإبعاد عن القدس لقيادات ونخب وإغلاق المؤسسات وشق الطرق وبناء المستوطنات وجدار الفصل العنصري والتضييق على عبادة الناس والاعتداء على المقدسات..... الخ.
حتى أنه لم يَسلم من هذه الحملة المسعورة لا الأحياء ولا الأموات في قبورهم، ولا الشجر ولا الحجر من القمع والتنكيل والتنكيد اليومي الذي يعيشه المواطن المقدسي.
نستذكر في هذه الذكرى وهذه القضية التي ما زلنا نعيش فصولها رغم المرارة والألم، فقد كان لهذا العمل الإجرامي ردود فعل عديدة على الصعيد العربي والإسلامي والدولي في حينها، ومن أبرزها:
1- إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي "منظمة التعاون الإسلامي حالياً".
2- أصدر مجلس الأمن الدولي قراره رقم "271"، والذي أدان الاحتلال بتدنيسه المسجد الأقصى، ودعا (إسرائيل) إلى إلغاء جميع التدابير التي من شأنها المساس بوضعية المدينة المقدسة، ودعا إلى التقيد بنصوص اتفاقيات جنيف والقانون الدولي، والامتناع عن إعاقة عمل المجلس الإسلامي في المدينة، المعني بصيانة وإصلاح وترميم الأماكن المقدسة الإسلامية.
كما أن محاولات سلطات الاحتلال بشتى الوسائل والطرق ما زالت مستمرة للمساس بالمسجد الأقصى المبارك من خلال أعمال الحفر والأنفاق التي تعمل على تقويض أساسات المسجد الأقصى المبارك بالإضافة إلى الاقتحامات اليومية لقطعان المستوطنين، ومحاولة فرض التقسيم الزماني والمكاني، وتشريع العديد من القوانين والقرارات من قبل الاحتلال للمس بالمسجد الأقصى المبارك وقدسيته ومحاولة إلحاقه بما تسمى "وزارة الأديان" لدى الاحتلال الاسرائيلي، بالإضافة إلى العمل الدؤوب والمخططات الحاقدة لجمعيات الهيكل المزعوم التي تعمل ليل نهار على هدم المسجد الأقصى المبارك وبناء هيكلهم المزعوم.
وأمام هذه الهجمة المسعورة وفي ذكرى إحراق المسجد الأقصى، نتساءل بما يمثله المسجد الأقصى المبارك من عقيدة أمة وآية في كتاب الله تبارك وتعالى:
أحقاً هناك عرب ومسلمون؟ وهل يعلمون يقينا ويرون بأم أعينهم ساحات المسجد الأقصى وهي تُدنس؟ هل نام العرب والمسلمون ليلتهم والحرائر في بيت المقدس يُضرَبن ببساطير الجنود وينزع حجابهُن؟ وهل علم قادة الأمة أن سجون الاحتلال تمتلئ بالأطفال المقدسيين والفتيات المقدسيات؟ وهل منظمة المؤتمر الإسلامي استطاعت إيقاف أعمال التخريب وتدنيس المسجد الأقصى حتى هذا اليوم بعد مرور 50 عاما على إنشائها؟
وهل هناك خطط واستراتيجيات عربية وإسلامية وفلسطينية للانتصار للقدس والمسجد الأقصى المبارك؟
يطول الحال في وصف ما آلت إليه القدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارك؛ فالوضع الطبيعي أن يتم تحرير مدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك، وأن يعود إلى حاضنته العربية والإسلامية، وإلى ذلك الوقت المطلوب من الجميع في الحد الأدنى حكاماً ومحكومين كل في موقعه وضمن إمكاناته العمل على نصرة القدس والأقصى وتعزيز صمود أهلنا في مدينة القدس، فالقدس ليست مدينة كالمدن والأقصى ليس كأيّ مسجد، إنه مركز الإشعاع الذي لا يذوي ولا ينطفئ، يتفجر بمعانٍ تاريخيةٍ ودينيةٍ وحضارية، وإن التفريط فيه يعني تفريطنا في جزءٍ من تاريخنا وجزءٍ من ديننا وجزءٍ من حضارتنا… كما أنّ التفريط فيه جريمة الجرائم في حق الماضي والحاضر والمستقبل.