قد يتخذ بعض طرقًا التوائية في توزيع الميراث، أو لتسجيله بحقه، وكثيرًا ما سمعنا قصصًا هنا وهناك عن تحايل بعض على الأحكام الشرعية في توزيع الميراث ليسلبوا الحق من أصحابه بطريقة تبدو مقبولة في الدين والقانون، وهنا تضيع الحقوق بسبب تلاعب بعض الورثة، أو نتيجة خلافات عائلية، مع أن الميراث حق أقره الشرع ويثبت لمستحقه بعد موت صاحبه بحكم القرابة والصلة، في حكم الشرع هل يجوز ذلك؟، هذا ما نتحدث عنه خلال السياق التالي:
لأبنائها فقط
"صابرين" (وهو اسم مستعار) قالت لـ"فلسطين": "إن والدي وقع تحت تأثير زوجته الثانية، فكتب نصف ما يملك لها ولابنها، ووثق ملكيتهما قانونيًّا، وترك باقي ممتلكاته ليتقاسمها الورثة بعد موته، وفعل هذا بسرية تامة، ولذا صُدمت أنا وأمي وأشقائي الخمسة بعد وفاة والدي بأنه لم يبق لنا إلا القليل".
وأخرى اشترطت على زوجها لتقبل زواجه من أخرى أن يسجل البيت باسمها، بحجة أن تضمن حقوقها، وخوفها من "عثرات الزمن" كما تدعي، وطلبت منه أن يضع في رصيدها مبلغًا ماليًّا خشية أن يقصر في تلبية احتياجاتها واحتياجات أبنائها بعد زواجه.
أعدل الأنظمة
وقال أستاذ الفقه المقارن عميد كلية الشريعة والقانون بالجامعة الإسلامية د. ماهر السوسي: "الميراث خلافة في المال، وهو طريق شرعه الله (سبحانه وتعالى) في الحصول عليه، والإسلام قد شرع نظام التوريث، وهو أعدل الأنظمة في التوزيع لموافقته الفطرة البشرية".
وبين في حديثه لـ"فلسطين" أن الله سبحانه وتعالى) فصل في توزيع الميراث، واختار لفظًا شديد التأثير في قوله (تعالى): "يوصيكم الله"، فعندما تكون التوصية من الله (سبحانه وتعالى) فهي أمر من أوامره، ما يؤكد أهمية التفاني في تنفيذها وطاعة الله بذلك، وجاء في كتاب الله بعد التفصيل في الأحكام قوله (تعالى): "تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ".
وأشار د. السوسي إلى أن ذلك جاء من باب ترغيب وترهيب المسلمين في تنفيذ ما جاء به القرآن، وما يجب عليهم من تطبيق الأحكام والالتزام بها.
وبين أنه لا يجوز التحايل على الشرع فيما يتعلق بالميراث، خاصة أن أحكامه معروفة للجميع، فمن كان مدركًا لما يفعل فلا عذر له بالجهل، وما يقوم به هو عصيان لأوامر الله عن عمد لما يقترف من إثم.
وأكّد د. السوسي أن "التحايل على الميراث حرام، لأن القرآن الكريم قسم المواريث بنص واضح، ولو كتب الفرد ما يملكه لأحد الورثة بإرادته فهو عاصٍ لله، لأنه حرم بعضًا مما يستحقون، وأعطى آخرين ما لا يستحقونه".
وختم بالقول: "إن توزيع الشخص للمال من تركته على حسب أهوائه تحايل على شريعة الله، وما كتب وسجل باسم بعض لا يمكن استرداده، لكن حسابه عند الله، فالأصل ألا يكتب المالك أي شيء من أمواله لأحد ورثته، لأن الميراث يُوزع بعد وفاة المالك، وفي ذلك أيضًا اعتداء على حقوق الآخرين التي أقرها الشرع".