فلسطين أون لاين

​معسكرات اعتقال للمسلمين في الهند بحجة محاربة الهجرة

...
صورة إرشيفية لاحتجاجات مسلمي كشمير
واشنطن/ وكالات:

يعاني مسلمو الهند من قمع السلطات منذ عقود، ورغم الاختلاف بين معاناتهم ومعاناة مسلمي كشمير، إلا أن الأعوام القليلة الماضية تُشير إلى تشابه دوافع السلطة بالتعامل مع المجموعتين، بهذه الطريقة الإقصائية، وهو دعمها لأجندة قومية هندوسية عنصرية.

وأعدت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، تقريرا مطولا حول أزمة جديدة تُهدد أكثر من أربعة ملايين هندي، ينتمي معظمهم للأقلية المسلمة في البلاد.

وذكرت أن السلطات الهندية وسعت عمليات البحث عمن تُطلق عليهم وصف "المهاجرين الأجانب"، في ولاية آسام، وهي ولاية جبلية فقيرة بمحاذاة الحدود مع ميانمار وبنغلاديش.

وولد عدد كبير من الناس الذين تشكك الحكومة بمواطنتهم، في الهند، ويتمتعون بحقوق المواطنة كاملة، لكن ذلك قد يختلف الآن.

مسؤول حكومي يدقق في وثائق أشخاص في ولاية آسام الهندية، لإثبات هنديتهم.

وقالت الصحيفة إن الحكومة الهندية تسعى إلى تكثيف محاكمات "الأجانب"، وتخطط لبناء معسكرات اعتقال ضخمة جديدة، واعتقلت السلطات حتى الآن، مئات الهنود المسلمين الذين وُجهت إليهم تهمة "الهجرة غير الشرعية"، مع أن بعضهم تعود جذور عائلته الهندية إلى مئات السنين.

وصرح ناشطون ومحامون محليون في الولاية، للصحيفة، أن بعض المستهدفين أقدموا على إنهاء حياتهم، جرّاء الألم النفسي وانتهاك حقوقهم في هذه الحملة التي شنها الحزب الحاكم بزعامة رئيس الوزراء ناريندرا مودي.

وتعهد حزب "باهاريتا جاناتا"، بتطبيق حملته في سائر أنحاء الهند، مطالبا الهنود بإثبات مواطنتهم في إطار مغازلته للحركات اليمينية الهندوسية المتطرفة.

ولفت ناشطون إلى أن مودي، الذي انتُخب مجددا قبل بضعة أشهر، يهدف إلى إعادة تشكيل مفهوم الهوية الهندية وطرحها كهوية هندوسية بالأساس، متوجها لأكبر "قاعدة شعبية" في البلاد.

وتهدف حملة التفتيش عن المواطنة في آسام، من الناحية الشكلية، إلى العثور على مهاجرين غير شرعيين من بنغلاديش.

وفي هذا الإطار، فرضت السلطات على جميع سكان آسام البالغ عددهم 33 مليون نسمة أن يثبتوا من خلال أدلة موثّقة أنهم أو أسلافهم كانوا مواطنين هنود قبل مطلع سنة 1971، أي عندما تأسست بنغلاديش بعد الانفصال عن باكستان، وهو ليس بالأمر السهل. وأصبحت العديد من العائلات تتسابق للحصول على سند ملكية يعود لعقود مضت أو شهادة ميلاد مزيفة تحمل اسم أحد الأسلاف.

علاوة على ذلك، فقد حاولت حكومة مودي مؤخرا، سن قانون في البرلمان ينص على تقدي الإعفاءات للهندوس والبوذيين والمسيحيين وأشخاص من ديانات أخرى، لكنه يستبعد المسلمين، في توجه واضح لتفكيك النسيج الاجتماعي القائم منذ قرون.

ورغم أن الولاية عانت من جرائم طائفية مؤلمة في تاريخها الحديث، إلا أن الدولة هي من تشجع هذه الطائفية اليوم.

يميل التوتر بين الهند وباكستان حول كشمير، إلى رفع مكانة مودي السياسية بين الهنود، لأن موقفه القوي ضد أكبر عدو للهند يقوّي صورته كرجل "وطني صلب"، ويجعل منه أحد أهم وأقوى رؤساء الوزراء في الهند. ناهيك عن أن نسبة كبيرة من الغالبية الهندوسية في الهند، لا تعترض إجمالا، على السياسات القومية الهندوسية الخاصة بالوزير مودي. حيث يشيد أبناء الأغلبية بما يعتقدون أنها إنجازات واسعة حقّقها في محاربة الفقر وتقديم صورة أكثر قوة عن الهند على المسرح العالمي، رغم أن المؤشرات الاقتصادية تُشير إلى تعاظم الفقر منذ اعتلائه منصبه.

في المقابل، يرى منتقدو مودي أنه يتعمد محاربة المسلمين الهنود، للتودد للأغلبية الهندوسية، راجيا أن يُساعده هذا الانقسام بالفوز بأصوات الأغلبية الهندوسية. وتتكون الهند من قرابة 80 بالمئة من الهندوس و14 بالمئة من المسلمين (بينما يشكل المسيحيون والسيخ والجاين والبوذيون بقيّة السكان).

واعتبر رئيس برنامج جنوب آسيا بجامعة براون، أشوتوش فارشني، أن الهند تتجه في كل الاحتمالات نحو التحوّل إلى دولة ذات أغلبيّة قومية هندوسية، ما لم تخضع للرقابة، مضيفا أنه في ظلّ سيطرة مودي على جميع الوكالات الحكومية وخاصة البيروقراطية والأجهزة الأمنية، فإن الأمل الوحيد أمام الديمقراطية العلمانية في الهند هي المحاكم، لكنه حذر قائلاً: "ربما يستسلم القضاء أيضا"، بحسب ما نقلته "نيويورك تايمز".

وبالفعل، يبدو أن شعبية مودي لدى ناخبيه في ازدياد مستمر، حيث أنها لم تنخفض رغم تغيرات كبيرة سيئة حدثت في الأسابيع القليلة الماضي، مثل فقدان عشرات آلاف الوظائف في قطاع السيارات، والفيضانات المميتة في جميع أنحاء البلاد واندلاع أعمال عنف جديدة من قبل عصابات الهندوس ضد المسلمين.

ويسعى مودي منذ أتو تولى منصبه عام 2014، إلى طمس الهوية الإسلامية التي تؤثر بشكل كبير على حاضر الهند وماضيها، حيث أعادت الهيئات الحكومية صياغة كتب التاريخ من خلال محو الأقسام التي تتحدّث عن الحكام المسلمين، كما غيرت أسماء الأماكن الرسمية إلى أسماء هندوسية بعد أن كانت أسماء مرتبطة بالحضارة الإسلامية. إضافة إلى أن عصابات الهندوس قتلت عشرات المسلمين بدم بارد، دون أن يتعرض جزء كبير منهم إلى المحاكمة أو العقاب.

وتقوم حكومة ولاية آسام بإرسال المشتبه بهم كمهاجرين أجانب إلى المحاكم الأجنبية، لتقديم أدلة تثبت مواطنتهم. وقدم مراقبو حقوق الإنسان شكاوى مفادها أن الإجراءات كثيرا ما تمارس التمييز ضد المسلمين وأنها بمثابة المحاكمات الصورية. والجدير بالذكر أن حزب بهاراتيا جاناتا لا ينوي التوقف عند ولاية آسام.

وذكرت الصحيفة أن أكثر من 3.5 مليون شخص ممن استُبعدت أسماؤهم حتى الآن من قائمة المواطنة في ولاية آسام، تقدموا بطعون بخصوص استبعادهم ويقوم المسؤولون في الولاية بمراجعة هذه الادعاءات. لكن من جهتها، تخطط حكومة ولاية آسام التي تخضع لسيطرة حزب بهاراتيا جاناتا، لبناء 10 معسكرات اعتقال جديدة قادرة على استيعاب آلاف الأشخاص.