فلسطين أون لاين

​الحياء... تاجُكِ بينَ يديكِ

...
تهاني أبو جزر- ماجستير فقه مقارن

روى عروة بن الزبير (رضي الله عنه) عن عائشةَ (رضي الله عنها) قالت: "كُنْتُ أدخُلُ بيتي الَّذي فيه رسولُ اللهِ (صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)، وأبي، فأضَعُ ثوبي، فأقولُ: إنَّما هو زوجي وأبي، فلمَّا دُفِن عمرُ معهم فواللهِ ما دخَلْتُه إلَّا وأنا مشدودةٌ عليَّ ثيابي حياءً من عمرَ (رضي اللهُ عنه)".

سبحانَ الله تستحيي عائشةُ المبرأةُ من فوقِ سبعِ سماواتٍ منَ الأموات، واستحيتْ قبلها بنتا شعيبٍ عندما كانتا تذودانِ أي تحبسانِ الغنمَ عن الاختلاطِ بغنمِ الناسِ وبذلك تحبسانِ أنفسَهما عن الاختلاطِ بالرجالِ، توجهَ لهما موسى (عليه السلام) بسؤالٍ هو كلمةٌ لم يزدْ (ما خطبُكما؟)، فما كان منهما إلا أن تجلببتا بجلبابِ الحياءِ فبادرتاهُ حييتينِ وأجابتاه إجابةً جامعةً مانعةً لم تدَعا فيها مجالًا للسؤال (قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِير) وذهبتاه لأبيهما وأخبرتاه بشهامة موسى، ثم تعودُ إحداهما تحملُ رسالةً مهمةً من شعيبٍ رجلِ مدينَ الصالحِ لموسى (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ) مشيَّ الحرائرِ فلم تكن سلفعًا من النساء خراجّة ولاجة، وأتمتها بحياءٍ في عبارتها (على اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا)، قال ابن القيم (رحمه الله): (الحياءُ مشتقٌّ من الحياة، فإن القلبَ الحيَّ يكونُ صاحبُه حيًّا فيه حياءٌ، يمنعُه عنِ القبائح، فإن حياةَ القلبِ هي المانعةُ من القبائحِ التي تفسدُ القلبَ)، ثم طلبت من أبيها بنداءٍ تأدبيٍّ وبعبارةٍ رصينةٍ تدفقتْ فيها ينابيعُ الحكمةِ (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ(.

فالرجلُ الذي يصلحُ به المعاش، وتقامُ به الأمورُ، ويتحققُ من تعيينِه أداء المصالحِ والحفاظ عليها؛ لابد أن يتحصنَ بسياجٍ من القوةِ والأمانةِ، لأن عليه مهام جوهريةً ومحوريةً.

ما أحكمَك يا حيية!، ما أوفرَ عقلَك يا ابنةَ شعيب!، وضعتِ قاعدةً أخذها العلماء (رحمهم الله) مأخذَ القاعدةِ فيمن يلي أمرًا من الأمور، أو يتقلدُ منصبًا، فالأحق به هو من توافرت فيه هاتان الصفتان.

وبنظرةٍ سريعةٍ إلى ثمرةِ الشهامةِ والحياءِ اللذين تحلى بهما موسى (عليه السلام) أن زوجَّه اللهُ امرأةً حييةً غيرَ متكسرةٍ في خطوتِها ولا متمايلةٍ في مشيتِها ولا متغنجةٍ في عبارتِها، ونجا من القومِ الظالمين، وخدمَ شعيبًا عشرَ سنينَ يتعلمُ منه القيمَ ويتدربُ على معاركةِ الحياةِ، وسافرتْ معهُ تحملتْ الصعابَ والشدائدَ، وذهبَ ليحضرَ لها جذوةً من النارِ تصطلي بها، فكلمَه ربُّه وأوتي النبوة.

وإن ما نراه اليومَ في المدارسِ والجامعاتِ والشوارعِ، ومواقعِ التواصلِ، لهو ناقوسُ خطرٍ يدقُ بشدة، لعله يلقى آذانًا تسمعُ أو قلوبًا تخشعُ، لباسٌ ينافي ضوابطَ الإسلام، كلامٌ به ميوعةٌ وخضوعٌ في القول، مشيةٌ متكسرةٌ أحيانًا ومترجلةٌ أحيانًا، جلوسٌ في المقاهي، فما الذي يحفظ الحياء في المجتمعات المسلمة؟

1. التنشئةُ من نعومةِ الأظفارِ على الحياء.

2. الدعاءُ ومراقبةُ اللهِ (تعالى) في السرِّ والعلنِ.

3. المجاهدةُ والمحاسبةُ والصبرُ والعفةُ.

4. معرفةُ أهميةِ الحياءِ في الإسلامِ وآثارِه.

5. النظرُ في عواقبِ التخلي عنِ الحياء.

6. مداومةُ القراءةِ في فضائلِ الحياء.

7. مخالطةُ الصالحينَ، ومطالعةُ سيرِ الصحابةِ والتابعين.

8. تيسيرُ تزويجِ الشبابِ والشاباتِ من بابِ سدِّ الذرائعِ.

يا ملكةً تاجُك الحياءُ، ويا زهرةً عطرُك النقاءُ، لا تغرقي في بحرِ الشهواتِ؛ فتقتلَك الآهاتُ، وعودي لنهجِ الصالحاتِ.