فلسطين أون لاين

مخيم لمرضى التوحد يعزز ثقتهم بأنفسهم في الوسط المائي

...
تصوير/ محمود أبو حصيرة
غزة/ هدى الدلو:

فرط في الحركة، وفوضى، وقلة تركيز، وتكرار لحركة وكلمة طيلة النهار، وعدم قدرة والدته على السيطرة عليه، هذا هو حال صالح حسان طيلة اليوم، فلا توجد أي مؤسسات أو جمعيات تختص بأطفال التوحد وتهتم بهم، وبمجرد أن شاهدت والدته إعلان التسجيل في مخيم السباحة والألعاب المائية لأطفال التوحد سارعت إلى تسجيله، رغم أنها لم تصدق نفسها لحظتها.

وقالت والدته لـ"فلسطين": "اتصلت على الهاتف المرافق للإعلان للتحقق، فلأول مرة يقام نشاط خاص بهذه الفئة، وإني قرأت عن فوائد السباحة لأطفال التوحد؛ فهي تزيد من تركيزهم واستيعابهم، وتنشط خلايا المخ وتحفز نشاطات أخرى".

والجميل أن طفلها يحب الماء والسباحة، وبعد التحاقه بالمخيم رغم مدته القصيرة امتلك جرأة على القفز في البركة بعمق أربعة أمتار، والأجمل أنه يعود إلى البيت مفرغًا طاقته بشيء مفيد، وتأمل تنظيم نشاطات أخرى كالرسم وركوب الخيل، وتعلم اللغة الإنجليزية، الأمر الذي يهواه صالح، وأن يكون بهذه الفئة المهمشة اهتمام، ودمجهم في الأطفال العاديين ويمارسوا حقهم في التعليم.

الوتر الحساس

أما أم أحمد البنا فقد وجدت ضالتها في هذا المخيم، فكانت تضطر كل مدة إلى السفر بابنها إلى مستشفيات الداخل المحتل، ليتلقى علاجًا بالتأهيل الطبيعي والوظيفي والاجتماعي واللغوي، إلى جانب النظام الحيواني والمائي.

قالت: "كان الهدف الذي يعمل عليه الطبيب هناك يحتاج إلى سنوات من أجل تحقيقه لتباعد أوقات الزيارة إلى المستشفى، ولكن ذهابه ثلاثة أيام في الأسبوع في المخيم أحرز تقدمًا في حالته".

وبينت البنا أن العلاج المائي الذي مارسه في المخيم لعب على الوتر الحساس لدى طفل التوحد، مضيفة: "فذلك يؤثر إيجابًا في العضلات والعصب، ويزيد ثقته بنفسه -وهو أجمل شيء- ويكسر حاجز الخوف، ويعينه على ممارسة حياته، ودمجه في أطفال آخرين تعرف إليهم، وبذلك أصبح لديه استجابة كبيرة لأي تحصيل آخر، بدلًا من أن يكون طفلًا مشوشًا، ومفرطًا في الحركة".

من جهتها تحدثت ريم محمد جعرور المشرفة على مخيم السباحة والألعاب المائية لأطفال التوحد بأن الفكرة نبعت من حاجة الأطفال للتفاعل مع بيئات مختلفة، منها الماء، فالسباحة جزء من العلاج المعرفي السلوكي لأطفال التوحد، وتسمى "العلاج المائي"، وفيها يكتسب الطفل مهارات جديدة ويتفاعل مع البيئة الجديدة ويبني علاقته بالماء.

وذكرت أن مدة المخيم كانت 5 أيام، وهي لا تكفي لتعلم الأطفال السباحة، وإنما هي لبناء علاقة مع الماء، ومقدمة لدورات سباحة للأطفال لمساعدتهم على تطوير مهاراتهم، وتنظيم عملية التنفس، والمشاركة الاجتماعية، ودمجهم في بيئات مختلفة، إضافة إلى حاجة الأهالي للشعور بالأمان في وجود أطفالهم قرب الماء، لافتة إلى أن فكرة المخيم هي الأولى من نوعها في فلسطين.

ونبهت جعرور إلى أنهم يعملون على كل الرياضات، منها الخيل والألعاب الدفاعية والدمج في التعليم، لكن باكورة الإنجازات التي تحسب هي مخيم السباحة والألعاب المائية، لأن للعلاج المائي دورًا مهمًّا في مساعدة الأطفال وتعليمهم.

وبينت أنهم يهدفون من المخيم إلى المساهمة في تحسين وتطوير قدرات الأطفال على السباحة خلال مدة المخيم القصيرة، وتدريب الأطفال على السباحة في مسابح داخلية، وإكسابهم مهارات العوم والاعتماد على النفس، إلى جانب رفع مستوى الاستقرار النفسي لدى أهل الطفل نتيجة لتطور قدرات أطفالهم في السباحة.

وتتلخص فكرة المخيم في تدريب الأطفال الذين يعانون اضطراب طيف التوحد على السباحة في المسابح المائية الداخلية، وتعزيز قدراتهم بالتدريب على الألعاب المائية الذي سيمكنهم من مجاراة أقرانهم في اللعب والتفاعل الاجتماعي، ويرفع مستوى الأمان لديهم، ويقلل من إمكانية وقوعهم في الخطر في أثناء وجودهم في أماكن مائية تحت إشراف مختصين بالسباحة.

مسؤولية ورعاية

ولفتت مديرة المخيم صفاء الشعافي إلى أن هذا المخيم هو المبادرة الأولى من نوعها في القطاع، حيث تبنى الفكرة نادي الدلفين للرياضة المائية، ورعت وزارة الشباب والرياضة المخيم الذي استوعب 20 طفلًا فقط، لحاجتهم لفريق مختص لمتابعتهم والتركيز معهم بكل حواسهم.

وذكرت أن الفريق القائم على المخيم ضم اختصاصية اجتماعية، وأخرى نفسية، وأربعة منشطين، ومثلهم مدربين سباحة.

وقالت: "تبني الفكرة جاء من منطلق المسؤولية وأهمية العلاج المائي لأطفال التوحد، بهدف التقليل من مخاطر الأوساط المائية عليهم، وإن بعض الأهالي يضطرون إلى السفر بأبنائهم لتلقي العلاج بالداخل المحتل".

وأوضحت الشعافي أن الأمر لم يقتصر على العلاج المائي فقط، بل أيضًا الرياضة المائية، واللياقة البدنية ليتمكن الطفل من التحكم بأطرافه، والتحكم البصري، والتركيز الذهني.

وتأمل من وزارة الشباب والرياضة العمل على رعاية هذه الفئة، وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي لتتمكن من دمجها في المجتمع، وتغيير نظرة المجتمع تجاههم واحتوائهم ورعايتهم.