90 عاما مضت على اندلاع ثورة البراق المقدسية، ولا زال أهالي القدس يسطرون انتصاراً تلو الانتصار، ليكون تاريخهم حافلا في مقاومة تهويد المقدسات الإسلامية ومواجهة الروايات الإسرائيلية بوجود "الهيكل" المزعوم مكان المسجد الأقصى المبارك.
وبرع الفلسطينيون عامة والمقدسيون خاصة في مواجهة المزاعم الإسرائيلية، بهبات وانتفاضات كانت شعلة أحداثها وما زالت المسجد الأقصى والمقدسات الفلسطينية، والتي بدأت في ثورة البراق عام 1929م ومروراً بالثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936م، وليس انتهاءً بهبة باب الأسباط والبوابات الإلكترونية 2018م، ومصلى باب الرحمة عام 2019م.
واندلعت أولى الثورات الفلسطينية (ثورة البراق) أثناء احتفال المسلمون في المولد النبوي بتاريخ الخامس عشر من أغسطس/آب عام 1929م، واحتفال اليهود بما يسمى "ذكرى خراب الهيكل"، أثناء الانتداب البريطاني على فلسطين.
وتحديا لنداءات إسرائيلية واستيطانية، توافد الفلسطينيون إلى القدس المحتلة، للصلاة في الأقصى وإحياءً للمولد النبوي باحتفالات نظمتها الأوقاف الإسلامية عند حائط البراق، لمواجهة مزاعم الحركات الاستيطانية بأن حائط البراق لهم.
وهتف المستوطنون آنذاك بشعارات وشتائم ضد المسلمين منها "كوتيل كوتيلنو"، أي "حائط البراق لنا"، لتتطور الأحداث في يوم الجمعة 23 من نفس الشهر، ليستشهد برصاص المستوطنين والاحتلال البريطاني 116 فلسطينيا، فيما قتل 133 مستوطنا.
وشكل الاحتلال البريطاني لجنة تحقيق بعد انتهاء الأحداث، رفعت توصياتها إلى الأمم المتحدة، والتي أكدت أن حائط البراق جزء لا يتجزأ من مساحة المسجد الأقصى، وتعود للمسلمين ملكية الرصيف الكائن أمام الحائط وأمام المحلة المعروفة بحارة المغاربة المقابلة للحائط.
كما أقرت اللجنة أنه لا يجوز لليهود جلب أي أدوات عبادة أو وضع مقاعد أو سجاد أو كراسي أو ستائر أو حواجز أو أي خيمة جوار الحائط لأنه ملك للمسلمين.
وحائط البراق هو الجزء الجنوبي من السور الغربي للحرم القدسي الشريف بطول حوالي (47 متراً وارتفاع حوالي 17 متراً)، وأخذ تسميته من ربط النبي محمد (عليه الصلاة والسلام) دابته ليلة الإسراء والمعراج به، ويعتبر جزءا من سور المسجد الأقصى، ويجاوره مباشرة باب المغاربة.
مخططات وانتصارات
وحول هذه الذكرى، وصف نائب مدير عام أوقاف القدس الشيخ ناجح بكيرات، حائط البراق بأنه شكل بداية الخلاف الذي نشأ بين المسلمين والحركة الصهيونية، ليتدحرج إلى انتصار فلسطيني إسلامي، مؤكداً أن 90 عاما من ثورة البراق لا زال أهل القدس على عهدهم بالدفاع عنه.
وقال بكيرات لصحيفة "فلسطين": "أهل القدس آثروا على العيش في مواجهة التهويد والقهر الإسرائيلي وظروف معيشية صعبة على التفريط بمقدساتهم"، مشيراً إلى أن الحصار والعقوبات الإسرائيلية مضاعفة تكون عليهم.
وأضاف: "المقدسيون يتعرضون إلى التصفية الجسدية، وهدم للبيوت وتقطيع لأواصرهم وتقسيم لشوارعهم وبيوتهم؛ لكنهم لا زالوا مستمسكين بقضيتهم ومقدساتهم التي يحاول الاحتلال الإسرائيلي تهويدها".
وأردف: "من ثورة البراق إلى هبة باب الأسباط وإزالة البوابات الالكترونية وفتح مصلى باب الرحمة بعد 16 عاما من إغلاقه، كل هذا يثبت أن القدس وأهلها بقضهم وقضيضهم، مجتمع عصامي يدافع عن المسجد الأقصى بكل صغيرة وكبيرة فيه كي تبقى القدس إسلامية هويةً ومكاناً".
من جهته، أكد رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد ناصر هدمي، أن ثورة البراق شكلت إحدى حلقات السلسلة الكبيرة في الدفاع عن المسجد الأقصى والقدس المحتلة ومواجهة تهويدها، قائلاً: "على الاحتلال الإسرائيلي أن يفهم بأنه لا تراجع ولا تفريط بالحقوق والمقدسات الفلسطينية والإسلامية".
وقال هدمي لصحيفة "فلسطين": "بعد 90 عاماً لا يزال الشعب الفلسطيني يناضل من أجل تحرير أرضه والتخلص من المحتل الغاصب، وليس للاحتلال مأمن ولا مكان على أرض القدس وقد يموت الكبار الذين حملوا الراية والأمانة واستمروا بها حتى أوصلوها لنا ولأحفادهم دفاعا عن القدس".
ورأى أن التجربة أثبتت أنه كلما زاد عدد المرابطين في المسجد الأقصى فشل الاحتلال ومستوطنوه في تحقيق أهدافهم التي يسعون لها باقتحاماتهم المستمرة لتثبيت وجودهم في المسجد الأقصى.
وشدد هدمي على ضرورة التواجد الفلسطيني في المسجد الأقصى ومواجهة الاقتحامات الإسرائيلية كما واجه أجدادنا تهويد حائط البراق، مشيرا إلى أن أطماع الاحتلال ليست بالمسجد فقطبل هدمه وبناء "الهيكل" المزعوم.
وعبر المختصان في شؤون القدس عن أسفهما من وصول الحالة العربية الرسمية إلى عدم الانتباه إلى الإجراءات والاقتحامات الإسرائيلية المتكررة في المسجد الأقصى، وعدم التحرك لإيقافها أو اتخاذ خطوات رسمية مع الاحتلال الإسرائيلي.
ودعيا الدول العربية والإسلامية إلى ضرورة دعم صمود المقدسيين؛ لضمان استمرار حلقات النصر والكرامة التي انطلقت من قبل ثورة البراق حفاظا على القدس وعدم تهويد مقدساتها.