فلسطين أون لاين

​استفاق من "حلم البناء" على "كابوس الهدم"

إسماعيل عبيدية يتحدّى "التهجير" من واد الحمص

...
صورة أرشيفية
القدس المحتلة-غزة/ نبيل سنونو:

"مُشرَّدون" في أرضهم؛ هكذا يبدو حال أسرة المقدسي إسماعيل عبيدية التي هدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي منزلها في حي واد الحمص جنوب شرقي مدينة القدس المحتلة، الشهر الماضي، لكنه رغم ذلك يقول: "لو بقعد في الشارع ما برحل".

"كل شي راح"؛ يلخص عبيدية بهذه الكلمات حال منزله الذي لم يشفع له وقوعه في المنطقة المصنفة "ب" في الضفة الغربية المحتلة، الواقعة تحت سيطرة السلطة الفلسطينية إداريا، حيث تعرض عبيدية لهجوم بقنابل الصوت والفلفل والرصاص المطاطي في عقر داره التي بناها بترخيص من السلطة عام 2016.

وارتكبت قوات الاحتلال جريمة تطهير عرقي جديدة ضد المقدسيين في واد الحمص، ذكرتهم بتلك التي نفذتها العصابات الصهيونية سنة 1948 ضد الفلسطينيين لتهجيرهم قسريا من أراضيهم.

شملت هذه الجريمة حتى الآن 10 مبانٍ تتضمن 71 شقة، لكنها لم تنتهِ إلى هذا الحد، إذ إن من المتوقع أن تطال قرارات الهدم 200 شقة، مع تحذيرات من إزالة الحي بالكامل، وفق مراقبين.

ويعني هذا بالنسبة لأصحاب المنازل المدمرة، أنّهم يفقدون حقهم في البناء على أرضهم، وخسارة الأموال التي سددوها لإتمامه، عدا عن رسالة واضحة يوجهها الاحتلال للسلطة، بأنه لا يقيم لها وزنًا.

وتشكّل المنطقة (أ) التي تسيطر عليها السلطة إداريا وأمنيا مع المنطقة (ب) نسبة أقل من 40% من إجمالي مساحة الضفة الغربية المحتلة، في حين يتمدد سرطان الاستيطان في النسبة المتبقية من الأرض والمتمثلة في المنطقة المصنفة (ج)، حسب ما قرره اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير و(إسرائيل).

"كنت بدي أجوزه"

ليس بعيدًا عن أطلال منزله، يحكي عبيدية لصحيفة "فلسطين" بصوته المتحشرج، بدايات اتخاذه قرار البناء في تلك المنطقة: "قررت أن أبني فيها على أساس أنها تابعة للسلطة والإجراءات سهلة"، منبها إلى أن الاحتلال يمنع البناء في القدس ولا يصدر تراخيص للفلسطينيين.

اتخذ المقدسي آنذاك قراره بإصدار التراخيص من السلطة وحصل عليها بالفعل، لكنه تسلم قرار إخلاء وهدم من سلطات الاحتلال، التي أدخلت قضيته في أروقة محاكمها، وصولا إلى تنفيذ الهدم، لكنه رفض الإخلاء.

وكان مبنى عبيدية، الذي له ستة أبناء ذكور وطفلة واحدة، مكون من طوابق عدة، وراوده طموح دائم بأن يزوج ابنه الأكبر الذي يبلغ من عمره (19 عاما)، في المبنى الجديد.

وقبل انتقاله للسكن في المبنى المذكور، اضطر عبيدية إلى السكن في منزل أبيه في القدس المحتلة، التي ولد فيها، وتجذر، وبات لا يحييه إلا هواؤها.

لكن في ليلة عصيبة، اقتحم جنود الاحتلال المبنى ليحولوه إلى مكان للأسى بدلا من الفرح المنشود، وحاول الرجل المقدسي إغلاق أبوابه لمنعهم من ذلك دون جدوى.

"كنت بدي أجوزه"؛ يشير عبيدية بذلك إلى نجله، وهو يعلم أنه عاد إلى "نقطة الصفر" وبات إتمام هذه الخطوة بمثابة "حلم بعيد المنال".

ولم تنم طفلة عبيدية (4 أعوام) وطفله الأصغر (7 أعوام) في منزلهم في تلك الليلة، إذ صدق توقع الأب بأن الاحتلال لن يميز بقنابله بين صغير أو كبير.

أخرج جنود الاحتلال أصحاب المنزل منه بالقوة، واستغرقت جريمة تدميره حتى الثانية بعد الظهر، فصار أثرا بعد عين.

تذرعت سلطات الاحتلال بما أسمته "خطرا أمنيا" على جدار الفصل العنصري، لكن هذه ما هي إلا مزاعم لهدم المنازل، وفق أصحاب المباني المدمرة.

ويضرب عبيدية كفا بكف بعد هدم منزله الذي كلفه بناؤه نحو مليوني شيقل، إلى جانب تراكم ديون يتوجب عليه سدادها.

لكنه يشكو عدم وجود اهتمام من السلطة الفلسطينية، وفق تأكيده.

"لن نرحل"

وتثير إجراءات الاحتلال سخط المقدسيين، إذ إنه وقبل تنفيذه الجريمة، أمهل أصحاب المباني في واد الحمص 30 يوما لهدم منازلهم بأنفسهم أو تنفيذها هي الهدم وتغريمهم تكلفته، أي أنه يطالبهم بتحمل تكاليف هدم ما بنوه في على مدار سنين!

ويقول عبيدية: حتى اللحظة لم يطلب مني الاحتلال تكلفة الهدم، وحتى لو طلب فأنا لا يتوفر معي ثمن الخبز.

وكأنما استفاق عبيدية من حلم على كابوس، جعله دون مأوى واضطر إلى السكن المؤقت في غرفتين قديمتين، لكنه يوضح أن الانهيار لم يصب المبنى فقط، وإنما أحلامه أيضًا.

ولا يتمنى صاحب المنزل المدمر إلا إعادة بنائه لاسيما أن مستقبل أبناءه يرتبط بذلك، لكنه لا يعرف السبيل لتحقيق هذه الخطوة، مع فقدانه الأمل بإمكانية تحقيق محاكم الاحتلال شيئا لمصلحة قضيته.

لكنّ وعي عبيدية، بأن هدف الاحتلال من هدم منازل الفلسطينيين ومبانيهم هو تهجيرهم وترحيلهم، يتغلب على ألمه، قائلا: "لو بقعد في الشارع ما برحل، هذه قاعدة لا أتخلى عنها، هنا ولدت وهنا أعيش، أما إنه نطلع من القدس ما رح نطلع".

وهدمت سلطات الاحتلال منذ العام 2009، 69 مبنًى في صور باهر، أو أجبرت أصحابها على هدمها، بحجة افتقارها إلى رخص البناء، 46 مبنًى منها مأهولة أو قيد الإنشاء.

وأسفر هدم تلك المباني عن تهجير 30 أسرة، وتهجير نحو 400 شخص، أو لحقت بهم أضرار أخرى بفعل عمليات الهدم؛ بحسب مكتب تنسيق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية "أوتشا".