فلسطين أون لاين

​قبل أن يفوت القطار

النفس البشرية تهفو دوماً للراحة وتجتهد للحصول على قدر من الاستقرار، في جو معتدل من المفاهيم والثقافات المتوازنة بعيدا عن الانحراف والتشدد، في بيئة صحية من التقييم والتقويم المستمر بغرض التصويب والتصحيح وإبقاء عجلة التغيير مستمرة تواكب المستجدات وتراعي المصالح.

فالمعالجات ضرورية في ظل السقطات والأخطاء واستمرار الاجتهاد من قبل الأفراد أو المؤسسات، لأن هذه العجلة حينما تنحرف قليلا لا تشكل فقط تقييما للأداء من زاوية واحدة, وإنما لها زوايا أخرى تضررت لتصيب حقوقا عامة أو خاصة وحينها يكون من الضروري الوقوف عندها بمسؤولية.

لأن تجاهل الضرر الذى أصاب الآخرين أو محاولة التسويف يمكن أن يعاظم الفعل ويراكم الخطأ ويورث تبعات تجر الجميع لأحداث مؤسفة، فطبيعة البشر لا تحتمل الأذى وتسعى لتفاديه, سواء كان ضد الآخرين أو ضد ذواتنا، وبالتالي فإن الجرح إذا ما بقي ينزف دون تطبيب عاجل، فإن الحالة قد تسوء إلى تسمم والتهاب يصعب السيطرة عليه.

وبالتالي فإن هناك معايير ناظمة وضابطة تفرض علينا أن نتحلى بيقظة عالية وأن نكون وثابين للتحرك بسرعة يتطلبها الحدث، ليس هذا فحسب فالشجاعة في مواجهة الحقائق، والقدرة على اتخاذ القرارات الصعبة لإجراء جراحة عاجلة، أو استئصال ورم خبيث، أو حتى استخدام الكي وهى من أهم أبجديات العمل.

لكن وسط هذه الدائرة في مواجهة الخطأ فإن هناك ميزانا دقيقا وخيطا رقيقا يجب علينا مراعاته بكل حرفية، الموضوعية والنزاهة, عدالة لا بد أن ترافقنا في أي تدخل نحو المحاسبة، وإلا فقدنا الثقة في أنفسنا وفى أهدافنا نحو المعالجة والتصحيح ورتبنا كارثة أكبر بجهلنا واستخفافنا وانقيادنا نحو الهوى.

فسياسات البناء تقتضي إبقاء مجريات الأحداث تحت النظر دوما، وإعداد الأسس والبرامج الكفيلة لتفادي وقوع انسدادات وتجلطات في شرايين القلب، لأن العقل الذي يصنع السياسات ويدير دفة الحكم لا يمكن له أن يذهب بعيدا دون أن تكون له جوارح تؤنسه وتكمل دوره وتتفاعل مع مزاجه وتوجهاته، وتمهد لمصالحه وأهدافه السامية، وإلا وجد نفسه عقلا على كرسي متحرك، أمام جسد مشلول لا يقوى على شيء، وأمام هذا المشهد صنفان من البشر يصطفون يحدقون بعناية ويرقبون أداء الحكم ويتتبعون السياسات على الأرض، ففريق يستعد للانقضاض لكن ينتظر ريثما تسقط فهو يعاجلك قبل أن تستفيق، وآخر بدا مصابا بخيبة الأمل تحيطه الحسرة على ما كان، وهو في حالة تلاوم وتساؤل ليت كذا وليت كذا ولماذا هذا يكون؟ وأين صانع القرار؟ وقد يكون أكثر حرصا وغيرة للإنقاذ والإمساك بزمام الأمر قبل انفلاته.

فبين مشهد التضاد بين من يريد الانقضاض وبين من يدعو لتفادي الخطأ والتدخل للتصحيح، واجب كبير وثقل عظيم على من يقع عليهم صناعة المشهد ومن يملكون أدوات الفعل.

عليهم أن يحاذروا في طريق وعر ومخيف، فقد يتخطفهم الطير على حين غرة، فالحمل ثقيل والتحديات جسام والطريق لا يحتمل المجازفة دون دراية أو دراسة، فقطار السرعة لا ينتظر المخطئين.