زيارة جاريد كوشنير، كبير مستشاري الرئيس الأمريكي ورئيس طاقم الإدارة الأمريكية الذي يعكف على استمرار جهود تصفية القضية الفلسطينية، للمنطقة التي تشمل عدة عواصم عربية تأتي في خضم تسويق صفقة القرن الرخيصة والسؤال المطروح هو: لماذا يتم استقبال كوشنير وطاقمه بعد أن أسدل الستار على مبادرة السلام العربية التي تبنتها الدول العربية، كما تبنتها منظمة التعاون الإسلامي؟ وعلى ماذا تراهن الدول العربية التي يبحث كوشنير معها صفقة القرن؟ وماذا تنتظر؟!
فقد سبق أن صرح ديفيد فريدمان، السفير الأمريكي لدى الاحتلال الذي يتبنى مواقف اليمين الإسرائيلي المتطرف والداعم للاحتلال غير الشرعي، والتي قال فيها لشبكة (سي.ان.ان): إن إدارة ترامب التي تزعم أنها تعمل على استكمال خطة صفقة القرن وإعلانها قريبا لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لا تستخدم ولا تعمل من أجل حل الدولتين بل تتبنى منح الفلسطينيين حكما ذاتيا شريطة ألا يشكل هذا الحكم الذاتي تهديدا لأمن (إسرائيل)، تسقط القناع عن الوجه الحقيقي لهذه الإدارة الأمريكية المتصهينة، كما تسقط القناع عن الحقيقة البشعة والاستعمارية لما يسمى صفقة القرن التي طالما حاول أقطاب الإدارة الأمريكية تغليفها بشعارات براقة مثل "الحل العادل" والسلام والازدهار.
يعني هذا أن الإدارة الأمريكية تتبنى موقفا معاديا للشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، وتريد فرض تسويات لا صلة لها بالحق والعدل والقانون الدولي وتنصب من نفسها مرجعية تضع الحلول وتعطي نفسها الحق بسلب حقوق شعب يعترف به العالم أجمع، وبدلًا من ذلك ذهب كوشنير إلى تطعيم صفقة القرن بالمال في (أطروحته الاقتصادية) التي قدمها في ورشة المنامة الشهر لماضي وطرح مبلغًا ماليًّا متواضعًا (50 مليار دولار) موزعة على عشر سنوات، وهذا المبلغ مقابل توطين أهلنا اللاجئين الفلسطينيين في كلٍّ من لبنان ومصر والأردن، وبناء مشاريع في الضفة الغربية وقطاع غزَّة، وهذا هو الجانب المُعلَن بطبيعة الحال من المُعالجات وربما المَخفي أعظم.
والغريب في الأمر أن الحاضرين من (الشخصيات العربية) المطبعين لم يعودوا ملتزمين لا سياسيًا ولا أخلاقيًا ولا عروبيًا ولا حتى إسلاميًا بشيء له صلة بفلسطين المحتلة، ولا بالقدس المباركة ولا بأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ولا بمآسي الشعب العربي الفلسطيني الذي دفع ثمنًا باهِظًا وما زال يدفع بقوافل طويلة من الشهداء والمفقودين والجرحى والأسرى والمُبعَدين والمُشردين في جميع بقاع العالم، وكأن هذا الثمن الكبير المدفوع سلفًا والمطلوب منه لاحقًا، وكأنه دين معدوم لم ولن يتم الالتفات إليه، لأن رؤية وفلسفة الحركة الصهيونية وخلفها المشروع الغربي الاستعماري المُتصهين برمته تريد ذلك، وتسعى لإنجازه مُنذ عقودٍ من الزمن، من زمن وعد بلفور المشؤوم مرورًا بزمن النكبة والنكسة الرهيبتين وحتى زمن الجنون الصاخب لدونالد ترامب وصهره كوشنير.
الحكاية ببساطةٍ أن الإدارة الأمريكية المُتصهينة لتسويق صفقة القرن من خلال عرابها كوشنير حتى يتخلصوا من (عبء) القضية الفلسطينية المؤرِقة لهم لصالح دولة الاحتلال الإسرائيلي، وقدَّموا في تلك الدراسة الاقتصادية البائِسة والمبلغ المالي المذكور كدعم للأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة ولعددٍ من البلدان العربية كثمن لصمتهم تجاه تصفية القضية برمتها، ويكون نصف المبلغ عبارة عن هِبات مالية والنصف الثاني يُعد التزامًا ودَينًا تدفعه شعوبنا العربية لاحقًا، ويتم التمويل على مدى عشر سنوات، وهكذا بنظر كوشنير الصهيوني ودونالد ترامب المُتصهين، بأنهما قد حلا القضية الفلسطينية بجرَّة قلم وبمحاضرة سطحية لم تتعدَّ الـ60 دقيقة وبحضور ومشاركة جهات هي أساس وجوهر مشكلة فلسطين المُحتلة، أكانوا (عربًا) أم أجانب.
ليعلم كوشنير وطاقمه وإدارته أولًا أن حقوق الشعب الفلسطيني ثابتة وراسخة في ضمير المجتمع الدولي وأحراره وقراراته ولا يستطيع كوشنير أو فريدمان أو أي طرف آخر شطب هذه الحقوق. كما أن حقوق الشعب الفلسطيني ليست ملكا لفريدمان وكوشنير وإدارتهما حتى يمكن التصرف بها وبكل وقاحة، وعليهم أن يتذكروا دوما أن شعبنا الفلسطيني الصابر المناضل منذ عقود طويلة لانتزاع حريته وحقوقه واستقلاله، سيظل متمسكا بهذه الحقوق ووفيا لتضحيات شهدائه وأسراه وجرحاه، وأن إرادة هذا الشعب لا يمكن أن تخضع لهذا المنطق الاستعماري القديم الجديد الذي يعبر عنه فريدمان وكوشنير وغرينبلات.