لم تدخر سلطات الاحتلال الإسرائيلي جهداً في محاولاتها الاستيلاء على ممتلكات وعقارات المقدسيين منذ احتلال مدينة القدس عام 1967، مستخدمةً وسائل وأساليب مختلفة، نجحت في بعضها وأخفقت في أكثرها.
فعلى مدار اثنين وخمسين عاماً، لم ينجح الاحتلال في السيطرة على معظم العقارات في مدينة القدس من خلال شرائها أو تسريبها إليه، فلجأ لأساليب أخرى منها سن قوانين كما يسمى بـ"أملاك الغائبين" و"الجيل الثالث"، حسبما أفاد المختص في شؤون القدس والمحلل السياسي راسم عبيدات.
و"أملاك الغائبين" هي أن يذهب الاحتلال إلى عقار معين (عمارة سكنية أو قطعة أرض)، بحيث يكون جزء من ورثة هذه العقار موجودين خارج حدود بلديته في القدس، أو خارج فلسطين، ثم يضع يده على حصة من هو غائب بالقوة، وبعد ذلك يحاول التمدد والسيطرة على بقية العقار.
وأما "الجيل الثالث"، فهو أن يدعي الاحتلال وجود أملاك معينة تعود لليهود من الجيل الأول قبل احتلال فلسطين عام 1948، ووجوب أن يرث هذه الأملاك الجيل الثاني ويورثونها للجيل الثالث، وبعد ذلك يفرض الاحتلال سيطرته على هذه العقار بعد إخراج الفلسطينيين منها قسراً.
ولفت عبيدات خلال حواره مع صحيفة "فلسطين" إلى أن حي "بطن الهوى" في قرية سلوان جنوب شرق القدس معرّض لعملية الطرد والتهجير ضمن ما يسمى بقانون "الجيل الثالث" والأملاك اليهودية.
أما فيما يتعلق بعمليات التسريب وبيع العقارات، أوضح أن المجتمع المقدسي ككل المجتمعات التي تعرضت لاحتلال، يوجد فيه فئة متجردة من القيم الوطنية والأخلاقية والدينية، لكونها تساعد في بيع وتسريب عقارات القدس بالتعاون مع جمعيات تلمودية وتوراتية.
وضرب مثلاً على هذا الأسلوب استيلاء الاحتلال على العديد من البنايات في منطقة سلوان عام 2015، وفي البلدة القديمة، أشهرها بيت أديب جودة والعلمي، اللذان تم الاستيلاء عليهما نتيجة وجود مثل هذه الفئة التي تعمل كجزء من منظومة الاحتلال في مدينة القدس وخادمة لمصالحه.
أعداد قليلة
وبيّن عبيدات أن الاحتلال سيطر على 26 عقاراً عن طريق عمليات البيع والتسريب في سلوان والبلدة القديمة، في حين استولى على نحو 170 عقاراً عن طريق قوانين "أملاك الغائبين" و"الجيل الثالث"، معتبرًا هذا العدد ليس كبيراً في ظل وقوع القدس تحت الاحتلال منذ 52 عاماً.
ويؤكد أن عمليات التسريب والبيع رغم أنها محدودة إلا أنها تؤثر سلباً على معنويات المقدسيين، وتضرب الحالة المعنوية لهم، وهذا ما يريده الاحتلال من خلال تفكيك النسيج الوطني والمجتمعي.
وأضاف أن الاحتلال يلعب على وتر إظهار المجتمع المقدسي على أنه مجتمع يريد شرعنة عمليات البيع لجمعيات تلمودية وتوراتية، وفي الوقت ذاته لا يريد أن يكون هناك محاسبة لتلك الفئة التي تقوم بعمليات البيع والتسريب، فيعمل على ملاحقة كل من يتصدى لمثل هذه الفئة.
ويعتقد عبيدات أن المجتمع المقدسي يعد مجتمعاً متماسكاً، إذ لا ينفذ عمليات بيع وتسريب عقارات للمستوطنين، إنما يعمل بكل جهوده من أجل الحفاظ على تلك العقارات والممتلكات، ويواجه من يفعل غير ذلك بصرامة.
جزء من التهويد
وعدّ عمليات تسريب وبيع العقارات، جزءاً مباشراً من عمليات التهويد الإسرائيلية، خصوصاً أن الاحتلال بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، نقل السفارة الأمريكية من (تل أبيب) للقدس باعتبارها "عاصمةً" مزعومةً لـ(إسرائيل)، يريد الاستيلاء على أكبر عدد من العقارات والممتلكات الفلسطينية في القدس.
ونبه إلى أن الاحتلال يحاول تحقيق مشروعه المسمى بـ"الحوض المقدس التهويدي" الذي يبدأ بحي الشيخ جراح شمالاً مروراً بالبلدة القديمة و"واد الجوز" وصولاً إلى بلدة سلوان وسفح جبل المكبر؛ بهدف إضفاء صبغة يهودية على المكان.
وأشار إلى أن الاحتلال يستخدم كل الأساليب غير الشرعية، سواء بتزييف الأوراق التي تحمل ملكية المقدسيين لأراضيهم عبر بعض المشبوهين والمأجورين، أو من خلال الفساد المستشري في دوائر الأراضي سواء في السلطة الفلسطينية أو الأردن؛ للاستيلاء على البيوت والعقارات المقدسية من خلال الخارجين عن الصف الوطني وعن مبادئهم وقيمهم الأخلاقية والدينية.