بالرصاص الحي والمطاطي يواجه قناصو الاحتلال الإسرائيلي كاميرات وأقلام الصحفيين الفلسطينيين، في جريمة متكررة تبرز هذه المرة في ميدان مسيرة العودة الكبرى وكسر الحصار السلمية.
كان المصور الصحفي في وكالة الأنباء الصينية "شينخوا" حاتم عمر يمارس مهنته في التقاط صور صحفية توثق جرائم الاحتلال، شرق خان يونس، في "جمعة واد الحمص"، أول من أمس، لكنّه تحول إلى ضحية حاله كحال صحفيين آخرين أصيبوا أو استشهدوا برصاص الاحتلال خلال تغطيتهم فعاليات المسيرة منذ انطلاقها في 30 مارس/آذار 2018.
عمر الذي أصيب بالرصاص المطاطي في كلتا قدميه، يقول لصحيفة "فلسطين"، إنه يتوجه إلى ميدان مسيرة العودة كل يوم جمعة لتغطية أحداثها، مرتديًا سترة الصحافة وشارتها الواضحة.
ولإنجاز مهمته الصحفية، يتخذ عمر مكانه بجوار المتظاهرين السلميين، الذين استشهد وأصيب منهم الآلاف برصاص الاحتلال، في تلك المنطقة التي يقابل فيها الأخير علم فلسطين وهتافات الأطفال والنساء والشيوخ والرجال بأعتى الأسلحة.
ويضيف عمر، أن الاحتلال أطلق عند السادسة مساء وابلا كثيفا من النار الحي على المتظاهرين السلميين، ثم أتبع ذلك بقنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي، ما أدى إلى إصابته، ونقله إلى المستشفى الميداني.
ويصف الصحفي، الرصاص الذي أصيب به بأنه "معدني مغلف بالمطاط"، أصابه بألم مباشر ودوار، وبما يشبه "صعقة كهربائية"؛ وفق تعبيره، أفقدته القدرة على المشي حينها، ووُصِفت إصابة عمر بأنها بين الطفيفة والمتوسطة.
ويوضح عمر أنه يشاهد "غطرسة" الاحتلال بحق المتظاهرين، ويوثق كل ما يجب توثيقه، لافتا إلى أنه يتعرض لذات المخاطر التي يتعرض لها المتظاهرون السلميون في المسيرة سواء فيما يتعلق بالرصاص أو القنابل التي يطلقها الاحتلال.
وسبق أن انتشرت صورة للصحفي ذاته شرق خان يونس وهو يحمل مسنًّا، كاد أن يسقط أرضًا من شدة الاختناق بقنابل الغاز المسيل للدموع.
ويؤكد عمر، أن الاحتلال يتعمد استهداف الصحفيين، سواءٌ العاملون في وسائل الإعلام أو حتى الناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي، في دليل قاطع على أنه يسعى إلى التكتيم على الصوت الإعلامي الفلسطيني، ومنع نقل الحقيقة.
ورغم أن عمر لم يتمكن يوم إصابته من الرجوع إلى ميدان مسيرة العودة لمواصلة عمله، فإنه يشدد على أنه سيواصل مهمته، قائلا: لن أقف عند هذه الإصابة، فهي تقويني وتشد من عزيمتي، وسأستمر في نقل صورة الحدث وصوت المتظاهرين الذين يستهدفهم الاحتلال بالقمع والرصاص.
كما يشدد على حق الصحفي في نقل الحدث في مسيرة العودة السلمية، وعلى حق الفلسطينيين في انتزاع حقوقهم والعودة إلى أرضهم.
ولم يكن عمر الوحيد الذي يصاب برصاص الاحتلال، أول من أمس، إذ إن الصحفي أسامة الكحلوت أصيب أيضًا.
ويقول الكحلوت في منشور عبر صفحته في موقع "فيسبوك": إنه تلقى اتصالا من مخابرات الاحتلال الإسرائيلي خلال تغطيته أحداث مسيرة العودة شرق البريج وسط قطاع غزة بدون أي حديث.
ويضيف الكحلوت: "خلال فتح الخط ورفع جوالي تم تحديد مكاني من بين المشاركين وأصابني القناصة بطلق نار في الرجل اليسرى رغم ارتدائي درع الصحافة وبعد إصابتي أغلقوا الاتصال".
ومنذ انطلاق المسيرة استشهد صحفيان برصاص الاحتلال هما ياسر مرتجى، وأحمد أبو حسين، وأصيب مئات آخرون بينهم رئيس شعبة التصوير في صحيفة "فلسطين" الزميل ياسر فتحي، ومصور وكالة الرأي الصحفي عطية درويش، والمصور الصحفي سامي مصران، وغيرهم.
تهديدات
وفي 19 يوليو/تموز الماضي، كان سامي مصران، يوثق بالصور إصابات المتظاهرين السلميين، وقد أصيبت امرأة برصاصة مطاطية في رأسها، ثم أصيب شاب بطلق ناري في اليد.
ويوضح لصحيفة "فلسطين"، أنه أصيب بـ"طلق ناري دمدم متفجر" بين العين والحاجب، أفقده الوعي، لافتًا إلى أن هذه كانت المرة الخامسة التي يصاب فيها خلال تغطيته أحداث مسيرة العودة السلمية.
ويشير مصران، المصور في قناة الأقصى الفضائية، إلى أنه كان قد تلقى تهديدات من جيش الاحتلال عبر فيسبوك، كما تلقت والدته تهديدا من خلال الاتصال بهاتفها النقال بأنه سيستهدف بطلق في الرأس وسيصفى في حال استمر في تصوير أحداث المسيرة.
ويقول المصور الصحفي: في المعظم كنت أستخدم خاصية البث المباشر عبر فيسبوك، وذلك كونها وسيلة أقوى للتأثير المباشر وفضح جرائم جيش الاحتلال.
ويعاني مصران كسرًا في جمجمة الرأس والوجه (الفك الأيسر) وانعدام الرؤية في عينه اليسرى.
وكان تقرير نشره موقع المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، مؤخرًا، ويغطي فترة النصف الأول من العام الجاري، وثَّق 16 حالة إصابة بين الصحفيين بالرصاص الحي والمتفجر وشظايا الرصاص، و11 إصابة بعيار معدني مغلف بالمطاط، و34 إصابة بقنابل الغاز وقنابل الصوت الحارقة بشكل مباشر، وسبع إصابات اختناق وتسمم وإغماء، وذلك خلال تغطيتهم أحداث مسيرة العودة.
وذكر التقرير أن حصيلة الانتهاكات بحق الصحفيين من قبل قوات الاحتلال ومستوطنيه في الفترة المذكورة، بلغت 298، حاولفيها الاحتلال استهداف وقنص الصحفيين بشكل متعمد على الرغم من ارتداء غالبيتهم الدرع الصحفي، وبروز شارة (صحافة،press) عليه، ما يؤكد أن الاحتلال يرمي من وراء الاستهداف إلى طمس الحقيقة وحجبها، وعدم نقل الواقع الذي يخشاه للعالم؛ وفق التقرير ذاته.