"ارجع إلى بيتك الفاسد واطرد العنصرية.." هذه كانت صرخة من عضو مجلس النواب عن الحزب الديمقراطي، الأمريكي من أصول فلسطينية، إبراهيم سميرة، حين قاطع كلمة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب؛ بمناسبة مرور 400 عام على تأسيس أول جمعية تشريعية في ولاية فيرجينيا، فلعلها كانت صرخة هزت جدران المجلس، كونها نابعة من ظلم إدارة ترامب في السياسة الداخلية ضد الأجانب واعوجاجها في السياسة الخارجية ضد الشعوب الضعيفة وانحيازها للاحتلال والجبروت كما ينطبق هذا الفعل والعمل غير الأخلاقي على القضية الفلسطينية حيث جاءت صرخة النائب سميرة للدفاع في المقام الأول عن شعبه بلفت أنظار المجتمع الأمريكي والعالم بأسره على الحقيقة وكشف حقيقة سياسة الإدارة الأمريكية لانحيازها للاحتلال الإسرائيلي وتجاهل حقوق الشعب الفلسطيني.
السؤال المطروح، هل بهذه الصرخة من النائب سميرة ستبدأ "رحلة الغضب" أو "ثورة الغضب" ضد إدارة ترامب حتى تعدل عن مواقفها بالانحياز للاحتلال الإسرائيلي؟! الأهم أن تبدأ "ثورة الغضب" فعندها حركة الفعل ستفرض ذاتها ولا راد لها..
الحقيقة أن تصور ترامب لمعالجة القضية الفلسطينية عبر إزاحة الحلول السياسية التي تستند لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره عبر تنفيذ قرارات الأمم المتحدة وتستبدل ذلك بالحلول المعيشية والانسانية والاقتصادية في إطار تبني رؤية نتنياهو للصراع والمبنية على السلام الاقتصادي للسكان دون الأرض وعبر فصل القطاع عن الضفة وتحويل التجمعات الفلسطينية إلى معازل متناثرة من أجل تبديد مقومات الهوية الوطنية الفلسطينية الجامعة، جعلته تابعاً لرئيس الحكومة الإسرائيلية اليمينية بنيامين نتنياهو ولطاقم مستشاريه في البيت الأبيض المتصهين كوشنير وغرينبلات وفريدمان، ويخضع سياسة الولايات المتحدة لرغبات اليمين الإسرائيلي المتطرف وتبني سياسات (إسرائيل) في المنطقة العربية والشرق الأوسط وخاصة تجاه القضية الفلسطينية.
فلم يتردد في الاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال وينقل سفارته إليها ويقطع المساعدات عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، ويبذل جهده لإلغاء حق العودة ويغلق المكتب التمثيلي للفلسطينيين في واشنطن، ويغض الطرف عن الاستيطان الإسرائيلي ويتنكر لحل الدولتين، ويطلق ما يسمى "صفقة القرن" وأكذوبة "السلام الاقتصادي" كحل لقضية فلسطين ويعقد لذلك ورشة فاشلة في المنامة عاصمة البحرين.
ولعل فشل ورشة المنامة يشكل إعلانا لفشل "صفقة القرن"، لترتد صفعة توقظ ترامب من سذاجته وجهله بقوة وإرادة الشعوب المقهورة ونضالها العنيد لاستعادة حقوقها المشروعة في الحرية والاستقلال وتقرير المصير، وفي مقدمة هذه الشعوب شعب فلسطين الطامح للعيش بعزة وكرامة في دولة مستقلة على أرض وطنه فلسطين وعاصمتها القدس الشريف وحق اللاجئين في العودة إلى وطنهم وممتلكاتهم وفق قرارات الشرعية الدولية التي يتنكر لها باستخفاف رئيس الولايات المتحدة التي تستضيف على أرضها مقرات هيئة الأمم المتحدة.
فكما يتعامل ترامب مع الأجانب فهو لا يرى في الحكومة اليمينية الإسرائيلية ما يراه يهود الفلاشا من أصل إثيوبي من عنصرية، وما تقوم به شرطتها من قتل اليهود الفلاشا في الشوارع فقط لأنهم يهود ببشرة سوداء، فطموحه لولاية ثانية في البيت الأبيض تعمي ناظريه، فلا يرى إلا ما يراه نتنياهو وحكومته اليمينية، وهو على استعداد ليستعدي العالم كله من الصين إلى روسيا وإيران والهند وباكستان وتركيا والعراق وفلسطين وأوروبا وأمريكا اللاتينية إرضاء لصديقه بنيامين الذي يعده بمساعدته في حملته الانتخابية وإعادته إلى البيت الأبيض كجزء من صفقة القرن، واحدة بواحدة.
لقد رفع يهود الفلاشا المضطهدون في (إسرائيل) على أساس اللون، أعلام فلسطين في كل مكان من دولة الاحتلال، وهتفوا بحياة فلسطين وشعب فلسطين وسقوط الاحتلال، بل هللوا وكبروا ونطقوا بالشهادتين، وكفروا بالعنصرية البغيضة وبالاحتلال، وسخروا من ديمقراطية نتنياهو المزعومة في ضوء ما تمارسه حكومات اليمين الأبيض المتطرف تجاه الفلاشا والفلسطينيين الذين باتوا أقرب إليهم من نتنياهو وليبرمان وشاكيد وفريدمان وكوشنير. ولعل ترامب يسمع ليهود الفلاشا ولمرشحة الرئاسة الأمريكية في الانتخابات القادمة التي جعلت من إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية عنوان حملتها الانتخابية.
لعل ترامب وهو الجاهل الغبي على حد وصف سفير بريطانيا المستقيل، يعلم أن (إسرائيل) دولة عنصرية وأنها آخر دولة احتلال في العالم، وأنها تحتل أرض شعب عريق اسمه الشعب الفلسطيني وتعداده اليوم يزيد عن 13 مليون إنسان (منهم 2 مليون محاصرون في غزة) متعلم وعالم ومثقف ومحارب وناجح في كل مجالات الحياة، وأن هذا الشعب ترسخت أقدامه على أرض فلسطين وطبعها بطابعه الخاص قبل أن تنزل التوراة وقبل أن تطأ أقدام نبينا إبراهيم هذه الأرض بآلاف السنين وقبل أن يولد إسحق ابن إبراهيم ومن بعد إسحق يعقوب (إسرائيل) وأولاده يوسف والأسباط.
لقد صدق سميرة ووصلت صرخته في وجه ترامب الغارق في الحسابات والأرقام والصفقات الرابحة وليس لديه متسع من الوقت ليقرأ صفحة عن تاريخ فلسطين والشرق بعيدا عن كوشنير ونتنياهو، فهو وإدارته منحاز انحيازا اعمى للاحتلال،وليس غريباً اتخاذ سلسلة القرارات بخصوص القضية الفلسطينية والعديد من القضايا العالمية الاخرى حيث لا يؤمن ترامب بقواعد القانون الدولي وانما لقانون الغاب ويعتقد كما المستعمرين القدامى أن أدوات العسكر والمال والاقتصاد هي وحدها قادرة على تحديد اوجه المعادلات السياسية الدولية والاقليمية والمحلية دون اكتراث للغة المصالح المتبادلة ومبادئ القانون الدولي وقيم حقوق الانسان وفي المقدمة منها حق الشعوب في تقرير المصير.