ذُهل والد الطفل المقدسي محمد عليان (أربعة أعوام) عندما سلمته شرطة الاحتلال الإسرائيلي استدعاء لطفله الوحيد، على خلفية لعبه أمام باب منزله في بلدة العيسوية شرقي مدينة القدس المحتلة.
وكان محمد، ذو الشعر الأسود اللامع كذلك الذي يغطي جزءا أصيلا من علم فلسطين، والبشرة الحنطية كقمح البلاد، يمارس هواياته في اللعب مع أقرانه من الأطفال، في حين تنشغل شرطة الاحتلال وجنود جيشه في ملاحقة الفلسطينيين.
بمجرد أن لاحظ محمد عناصر شرطة الاحتلال أمام باب المنزل، أول من أمس، هرب منهم ولاحقوه بغية اعتقاله –والكلام هنا لوالده الثلاثيني ربيع عليان- الذي تسلم استدعاء لطفله.
تذرعت شرطة الاحتلال بأن محمد قذفها بالحجارة وهو يلعب، لكنّ أباه يقول لصحيفة "فلسطين": إن طفله لا يعرف ماذا تعني الشرطة أساسا، ولم يفعل ذلك مطلقا، ولكنه رأى الأولاد يهربون فحذا حذوهم.
شقيقتا محمد، (إحداهما تبلغ سبعة أعوام، والأخرى عامين) اعتقدتا عندما هم أبوهما بالذهاب إلى مركز شرطة الاحتلال بسبب استدعاء أخيهما الطفل، أنه ذاهب به إلى نزهة إلى البحر كي يمارس السباحة، وطلبتا منه أن يصطحبهما.
عند السابعة والنصف صباح أمس، وصل أبو محمد مقر شرطة الاحتلال، فأصيب الطفل بالمفاجأة وشرع في البكاء، ولما كانت الصحافة ترصد الموقف طلبت تلك الشرطة من أبيه أن يتركه في الخارج، وأن يدخل هو إلى المركز.
"قالوا لي: امنعه أن يطبّش (يقذف) حجارا، وأن يلعب بالحارة"؛ يروي الوالد بعضا من تفاصيل الاستدعاء.
رد عليهم بقوله: "هذا ولد صغير، إذا حمل حجرا يكون أثقل منه، فكيف تدعون أنه يقذف الحجارة؟".
يقول الأب: إن شعبنا تأذّى كثيرا من الاحتلال، وطفلي ذو الأربعة أعوام يستدعى؟ إنه لأمر غريب، وجريمة بحق الطفولة.
تهديدات
لكن هذه ليست الجريمة الوحيدة التي ارتكبتها شرطة الاحتلال بحق الطفل، فقد هددت أباه خلال 30 دقيقة من الاستدعاء، بأنه لو قذف الحجارة، وهي المزاعم التي ساقتها للاستدعاء، فإنها ستحتجزه فيما يشبه مكانا للأحداث.
حينئذ رد أبو محمد: هذا لم يحدث أبدا في كل الكرة الأرضية، طفل لم يتجاوز أربع سنوات يحصل فيه هذا!
ولم يكن محمد يعرف حتى إلى أين يأخذه أبوه في طريقهما إلى الاستدعاء، ولم يكن يعرف أيضًا كيف سيشرح له ما الذي يتعرض له من جريمة ضد طفولته.
انتظر محمد طويلا، وصمم على الانتظار حتى يعرف ما مصير أبيه؟ وهل سيدفع ثمن اللعب أمام المنزل؟ ظل واقفا أمام مركز شرطة الاحتلال، برفقة ذويه، ريثما يخرج أبوه الذي اعتلت وجهه علامات الذهول.
حينها سأل الطفل، الذي تقفز البراءة من عينيه وكلماته على حد سواء، والده: لماذا أخذوك؟ هل يريدون اعتقالي؟
بكى محمد حتى جفت أدمعه، وأصيب بالخوف، ولم يتمكن من النوم إلا ساعة واحدة بعد الرابعة صباحا.
لجأ أبوه إلى النوم بجانبه حتى يهدئه، لكنه تعذر عليه حتى الذهاب إلى دورة المياه وحيدا، ما اضطر الأسرة إلى إحضار أصدقائه حتى يستأنس بهم.
وربما لم تسعف الكلمات محمد للتعبير عما يدور في خلده الذي لم يرَ في بلده إلا جنود جيش الاحتلال وهي تعيث خرابا وهدما.
"اتفرجوا على أهل فلسطين والوضع اللي هم عايشين فيه"؛ هذه الكلمات يوجهها أبو محمد للعالم، مضيفا: ما يحدث مهزلة، ويمثل قمة الحقد والإجرام عندما يستدعى طفل بعمر الزهور.
ومحمد ليس الطفل الفلسطيني الوحيد الذي يعاني من الاحتلال، إذ إن الأخير يأسر 250 طفلا فلسطينيا ضمن 5700 أسير فلسطيني، وفق هيئة شؤون الأسرى والمحررين.
ويتعمد جنود الاحتلال استهداف الأطفال بالرصاص الحي، والمتفجر، بهدف قتلهم أو التسبب بإعاقات دائمة لهم، مستغلين عدم مساءلتهم ومظلة الحماية التي توفرها دولة الاحتلال لهم، فقد قتلوا منذ بداية العام الجاري 16 طفلا، 12 في قطاع غزة و4 في الضفة الغربية، بحسب ما وثقته الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال-فلسطين.
وعلى وجه الخصوص في القدس المحتلة التي اعترف بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "عاصمة" مزعومة لـ(إسرائيل)، تشجّع الاحتلال على ممارسة المزيد من الجرائم بحق أهل المدينة.
ويشكو أبو محمد حاله حال أهل القدس، ظلم الاحتلال، سواء باعتقال الأطفال والنساء والشيوخ والرجال، أو هدم المنازل، أو مصادرة الأراضي، أو الغرامات الباهظة.