شكلت «اتفاقية «أوسلو» كارثة مدمرة، ضربت القضية الفلسطينية في الأعماق، ولم تقل خطراً، ومأساوية عن كارثة 1948.
فلقد أدت هذه الكارثة إلى انشقاق خطير في صفوف الشعب الفلسِطيني، وزلزلت وحدته المقدسة، واستقال عدد كبير ومهم من الشخصيات الوطنية المشهود لها بالنضال.. محمود درويش، شفيق الحوت، إبراهيم بكر..إلخ، من اللجنة التنفيذية ومن المجلس المركزي ومؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية الأخرى.
وكانت «أوسلو» السبب الرئيس في تراجع مكانة القضية الفلسطينية، على المستوى العربي والإسلامي والدولي، وهرولة البعض إلى الاعتراف ب«دولة» العدو.. باعتبارهم «إنهم ليسوا فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم..!» على حد تعبيرهم.
ونذكر على سبيل المثال دولاً في أوروبا «اليونان وأسبانيا.. ودولاً في أفريقيا واميركا الجنوبية لم تعترف بكيان العدو، إلا بعد اعتراف منظمة التحرير بهذا الكيان الغاصب الذي أقيم على 78% من أرض فلسطين العربية التاريخية.
ومن هنا فتعليق العمل بكافة الاتفاقيات الموقعة مع العدو، وعلى رأسها «أوسلو» وهي بيت الداء، وأساس كل الشرور، يعد قراراً تاريخياً مهما، كما أن تنفيذ هذا القرار، يعد التحدي الأكبر للقيادة الفلسطينية، باعتبارها من عرابي «أوسلو».. وهي من وقعت عليه في احتفال أقيم في حدائق البيت الأبيض.
لقد تابعت.. كما تابع غيري ردود الأفعال على هذا القرار.
فالعدو الصهيوني غير مصدق، بأن القيادة ستقدم على هذه الخطوة وتنفذها، وكذلك واشنطن التي لم تأت على ذكر هذا القرار، واكتفت الناطقة باسم الخارجية الأميركية بأن «دعت السلطة الفلسطينية إلى الانخراط في العملية السلمية «وهي تعرف بأنه لم يعد شيء من هذا القبيل، فلقد اغتال القرصان «ترامب» العملية السلمية، عندما اعترف بأن القدس العربية المحتلة عاصمة لكيان العدو، وبعد أن أيد الاستيطان، وبعد أن قطع المساعدات عن «أونروا»، وطالب بإلغاء حق العودة.. وبوضع النقاط على الحروف.. فلا بد من الإشارة إلى أن الفضل كل الفضل في اتخاذ هذا القرار التاريخي، وتصحيح مسار القضية الفلسطينية، وإخراجها من مستنقع «أوسلو».. يرجع إلى صمود ومقاومة شعبنا العظيم.. شعب الجبارين.
فهذا الشعب لم يوافق مطلقاً على «أوسلو»، وعدها تفريطاً خطيراً، وأصر على مقاومة الاحتلال، كسبيل وحيد لإسقاط «أوسلو».. وكسبيل وحيد لكنس الاحتلال الصهيوني من أرضه.. كل أرضه... كل فلسطين من البحر إلى النهر.
الملفت للانتباه، والمثير للإعجاب في أن واحد، أن الشعب الفلسطيني لم ييأس، ولم يحبط، ولم يستسلم، رغم شراسة العدوان الصهيوني، ورغم دعم واشنطن لهذا العدوان وبصورة سافرة، كما تجلى ذلك في «صفعة القرن» واستطاع هذا الشعب العظيم، أن يسقط المؤامرة، ويسقط تداعياتها وأذرعها القذرة «ورشة الحدث كوشنير في البحرين»... ويسقط بالتالي «صفعة القرن»، ويفرمل الهرولة العربية إلى «تل أبيب»..
وها هو يملي على القيادة الفلسطينية إلغاء «أوسلو».. وكل اتفاقيات العار وعلى رأسها الاعتراف ب»دولة « العدو الصهيوني.
نرفض كل المقولات والتحليلات بأن الخروج من فلك الاحتلال صعب جداً، وخاصة من الناحية الاقتصادية، ونجزم بأن في تاريخ الشعوب التي ناضلت وضحت كثيراً، لكنس الاستعمار أمثلة كثيرة، وخاصة ما حدث للجزائر والتي كانت فرنسا تعدها جزء منها، ورفض جنرالاتها الانسحاب منها، لا بل تمردوا، حتى جاء الجنرال ديغول فاعترف بالحقيقة، وانحنى للمقاومة الأسطورية الجزائرية، التي قدمت مليوناً ونصف مليون شهيد، وأصبحت مثالاً للإرادة الحرة، والتضحيات الجسام لمن يريد أن يعيش حراً.
صحيح أن «أوسلو» فرخت طبقة من المرتزفة، والعملاء والسماسرة والمخبرين.. إلخ.
ولكن الأصح أن هذه الطبقة المتأسرلة، لا تستطيع مهما دعمها الاحتلال أن تقف في وجه الإعصار الشعبي الفلسطيني، الذي اقتلع «صفعة القرن»، وها هو يقتلع «أوسلو» من جذورها، ويمزق ورقة الاعتراف ب«دولة»، العدو الغاصب.
إن الشعب الذي ضحى بأعز ما يملك، بدم أبنائه، وقدم مئات الألوف من الشهداء والجرحى والأسرى للخروج من مستنقع «أوسلو»، وقال «لا «كبيرة جداً، بحجم الكون للقرصان «ترامب» ومؤامرته.
هذا الشعب قادر أن يلجم كل الأصوات المعادية، ويلجم المتأسرلين، وقادر أن يعيد لفلسطين الماجدة وجهها العربي الحر.. الثائر الذي صنع المعجزة.. وها هو يكتب التاريخ من جديد.
إنه طائر الفينيق الذي يخرج من المعارك والحرائق منتصراً.. منتصراً.. منتصراً.
الدستور الأردنية