مثلت العلاقة بين مجالات الدراسة وسوق العمل أساسًا لإحصائية أصدرها الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، أخيرًا، في وقت يتعين على طلبة الثانوية العامة الناجحين اختيار تخصص مناسب.
وأوضح بيان الجهاز المركزي، أن معدل البطالة ارتفع في عام 2018 بين الأفراد 20-29 سنة الحاصلين على مؤهل دبلوم متوسط أو بكالوريوس في الضفة الغربية وقطاع غزة إلى حوالي 58%، بواقع 40% في الضفة و77% في القطاع، في حين بلغ معدل البطالة بينهم حوالي 56% في عام 2017 وحوالي 54% في عام 2016، في حين بلغ هذا المعدل حوالي 45% في عام 2010.
ومن بين مجالات دراسية مختارة، سجلت أعلى معدلات للبطالة بين الأفراد 20-29 سنة الحاصلين على شهادة دبلوم متوسط أو بكالوريوس في عام 2018م في قطاع غزة في تخصص علوم إنسانية بنسبة (85%)، يليه تخصص العلوم الاجتماعية والسلوكية بنسبة (82%).
في حين سجلت أعلى معدلات للبطالة بين الأفراد 20-29 سنة الحاصلين على شهادة دبلوم متوسط أو بكالوريوس في عام 2018 في الضفة الغربية في تخصص علوم تربوية وإعداد معلمين بنسبة (61%)، يليه تخصص العلوم الاجتماعية والسلوكية بنسبة (53%).
وفي 2018، بلغ أعلى معدل فترة تعطل بالأشهر بين الأفراد (20-29) سنة في فلسطين والحاصلين على شهادة دبلوم متوسط أو بكالوريوس في تخصص العلوم الطبيعية بمعدل 18 شهرًا، في حين بلغ أدنى معدل فترة تعطل في تخصص الخدمات الشخصية وتخصص العلوم المعمارية والبناء بمعدل 11 شهرًا.
واستنادًا إلى بيانات مسح القوى العاملة لعام 2018، استوعب السوق المحلي حوالي ألفي فرصة عمل في عام 2018 للأفراد (20-29 سنة) الحاصلين على شهادة دبلوم متوسط أو بكالوريوس. في حين بلغ عدد المتقدمين لامتحان شهادة الثانوية العامة "الإنجاز" في العام الدراسي 2018/2019 حوالي 76 ألف طالب وطالبة، ويبلغ عدد خريجي مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية بمعدل 40 ألف خريج وخريجة سنويًّا.
أهمية اختيار التخصص
من جهته يوضح عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة الأزهر بغزة البروفيسور جهاد أبو طويلة، أن وجود نسب بطالة ليست في فلسطين فقط بل في العالم كله وحتى في الدول المتقدمة، منبهًا في الوقت نفسه إلى صعوبة الواقع الفلسطيني.
ويقول البروفيسور أبو طويلة، عضو مجلس التخطيط والجودة في "الأزهر"، لصحيفة "فلسطين": إن اختيار التخصص مهم جدًّا ويجب أن يتطابق مع مواهب ورغبة الطالب، وألا يجبره أحد على تخصص لا يرغب فيه.
ويوضح أن الآخرين لا يجب أن يُسقطوا تجاربهم على الطالب، إذا كانت غير ناجحة، عند اختيار تخصصه، فقد يُبدع هو بناءً على رغبته وقدراته، مضيفًا أن العمل في نهاية المطاف هو توفيق من المولى.
ويبين أن كثيرًا من الطلبة وجدوا أنفسهم في التخصصات التي التحقوا بها وتفوقوا على دفعاتهم، وربما يصبحون معيدين وهذا يشكل تجربة رائدة وحافزًا لإكمال الدراسات العليا وشق الطريق نحو العمل الأكاديمي.
وينصح أبو طويلة الطالب بأن يكون تفكيره دقيقًا عند الاختيار بما يتوافق مع قدراته العقلية ومواهبه بحيث يمتلك القدرة على التفوق.
ويلفت إلى أن التعليم يأتي بفرص العمل، والدراسة الجامعية تعلم الطالب كيف يحل مشاكله الذاتية ويفتح آفاق العمل، قائلاً: إن كثيرًا من الخريجين فتحوا فرص عمل لهم في القطاع الخاص واستطاعوا توفير مصدر دخل، كما أن التسويق على مستوى بعض الدول خاصة في مجالات الإعلام وبعض التخصصات وتوافر العلاقات المهنية مع إذاعة أو تلفزيون في الخارج يفتح مجالاً نحو العالمية.
ويتابع: صحيح أن البطالة تتجاوز نسب الخريجين، لكن هذا لا يمكن أن يكون مدخلا لإحباط خريجي الثانوية العامة الناجحين، لا سيما أن كلا منهم استطاع أن يحقق النجاح وهو تحد بحد ذاته في ظل الظروف الصعبة.
ويشير عميد "الآداب" في "الأزهر" إلى أن الدراسات المتعلقة بنسب العمل والبطالة استشرافية وتعطي مؤشرات لكن هذا المؤشر ليس بالضرورة حتميًا أو يقينًا، إذ إن التخصص ليس للعمل فقط وإنما التعليم في المجتمع الفلسطيني أصبح سياسة مهمة لبناء جيل متعلم.
وأردف: الإنسان المتعلم أفضل من الجاهل، مبينًا أن الإبداع والابتكار في التخصص الذي يلتحق به يؤهل الطالب لمستقبل أرحب.
ويدعو أ.د.أبو طويلة، إلى وضع إستراتيجية لتوجيه الطالب ليس فقط بعد الثانوية العامة وإنما منذ الصف الأول الثانوي لاكتشاف إبداعاته وميوله العلمية، ثم توجيهه نحو التخصص المناسب له.
وينبه إلى أهمية أخذ الجامعات الاعتبار بتحديد احتياجات سوق العمل الفلسطيني من التخصصات لتوجيه الطلبة إليها.
ويشير إلى أن الخريجين ليسوا فقط من الجامعات المحلية، بل إن هناك خريجين من دول أخرى، لافتًا إلى أهمية سعي السلطات لدى السوق الخليجي العربي لدفعه باتجاه التعاقد مع خريجين فلسطينيين.
ويقول أبو طويلة: لو أن كل دولة عربية خليجية استقطبت 10 آلاف خريج فلسطيني، لما كانت هناك مشكلة، لافتًا إلى تجربة الكويت في استقدام مدرسين فلسطينيين.
ويؤكد أن الفلسطيني يبدع أينما كان.
اتجاهات التشغيل
من جهته يقول أستاذ أصول التربية في الجامعة الإسلامية بغزة البروفيسور سليمان المزين: إن الطالب يجب أن يختار التخصص المعني به دون ضغط من أهله أو تأثير من زملائه، ليكون قادرًا على تحقيق النجاح.
ويضيف أ.د.المزين أن اختيار التخصص مرتبط بحاجات السوق، التي يمكن تحديدها من خلال اتجاهات الناس في التشغيل، واستكشاف حاجات سوق العمل من التخصصات الجديدة.
ويشير إلى أن بعض التخصصات تكون باتجاه واحد ودقيق نحو وظيفة معينة، لكن على سبيل المثال تخصصات اللغة الإنجليزية وتكنولوجيا المعلومات والصحافة إذا لم يعمل الخريج في مجاله يمكن أن تتاح أمامه فرص متعددة.
ويتابع بأن النجاح والفشل هما نسبيان، وما على الطالب إلا الاجتهاد في اختيار تخصص ومجالات تتوافر فيها المرونة في ميدان العمل، أو أن يكون تخصصًا نادرًا، وحينئذ تكون فرصته أفضل.
لكن على الطالب أيضًا أن يكون متفائلاً، لافتا إلى أن الحصول على العمل هو مسألة تتعلق بالرزق.
ويضرب أ.د.المزين مثلا بمهندسين انتظر بعضهم أن يأتي العمل إليه، في حين بادر الآخر إلى العمل ميدانيًا في مجاله فكان ذلك فرصة له.
ويلفت إلى أهمية التخطيط بين التعليم العالي والجامعات الفلسطينية فيما يتعلق بحاجة سوق العمل والبرامج المطروحة.