منذ أن وصل محمود عباس إلى رئاسة السلطة استخدم سطوة التفرد والإقصاء في وجه الفصائل الفلسطينية والعبث في مفاصل النظام السياسي للسلطة ومنظمة التحرير، بما يتوافق مع أجنداته الشخصية، لإطالة أمد بقائه على كرسي الحُكم.
فقد اخترق عباس منظومات السلطات الثلاث التي كان آخرها حل مجلس القضاء الأعلى وإنشاء مجلس انتقالي لمدة عام، وإعادة تشكيل هيئات المحاكم في جميع الدرجات، وترتيب أوضاع القضاء وإعداد مشاريع القوانين اللازمة لإصلاحه.
وفي لمحة سريعة على قرارات عباس "المُجحفة"، فقد حلّ المجلس التشريعي، وشكّل المحكمة الدستورية، وعقد المجلسين الوطني والمركزي، وحلّ حكومة رامي الحمد الله، وشكّل أخرى برئاسة محمد اشتية بعيداً عن الإجماع الوطني، عدا عن قطع رواتب آلاف الموظفين "تعسفيا"، دون التشاور مع الفصائل الفلسطينية.
مخالف للقانون
أستاذ العلوم السياسية في جامعة السلطان قابوس في عُمان د. هاني البسوس، قال: إن خطوة عباس بحل مجلس القضاء "أحادية وتعكس نهج التفرد والاستبداد في القرار السياسي الفلسطيني".
وأوضح البسوس لصحيفة "فلسطين" أنه ليس من صلاحيات عباس حل مجلس القضاء، إنما يجب أن يتم بالتفاهم بين المؤسستين الرئاسية والتشريعية.
ورأى أن قرارات عباس وآخرها حل مجلس القضاء تدخل ضمن معايير سياسية، أهمها تعيين أشخاص مقربين له، لاتخاذ القرارات التي تخدم الأجندات الشخصية لشخصيات سياسية متنفذة في السلطة.
وعدّ كل هذه القرارات "مخالفة للقانون الفلسطيني وقواعده"، مشيراً إلى أن عباس سيطر على السلطات الثلاث، وجعل مفاتيح الحكم والقرار بيده.
ووصف استمرار نهج التفرد في القرارات السياسية لدى عباس "بأنه استخفاف بالفصائل والشخصيات الفلسطينية"، من أجل التحكم المُطلق في جميع السلطات.
وشدد البسوس على أن هذا النهج "يحتاج إلى وقفة جادة من الفصائل كافة للوقوف في وجه عباس ورفض قراراته، سيّما أنها تتعلق بالشعب الفلسطيني ككل".
وبيّن أن استمرار سياسة الديكتاتورية يضعف القضية الفلسطينية في ظل التحديات الكبيرة التي تمر بها على جميع الأصعدة، والضغوطات الأمريكية- الإسرائيلية، مطالباً بضرورة إعادة اللحمة الوطنية وإنهاء الانقسام السياسي.
ويتفق الكاتب والمحلل السياسي سعادة إرشيد من رام الله، مع سابقه، عاداً خطوة عباس "محسوبة من جهات أخرى، ويُمكن أن تكون مرتبطة بخطوات قادمة".
وبيّن إرشيد لصحيفة "فلسطين"، أن قرارات عباس التفردية تدل على "المعنى الحقيقي للاستبداد وعدم تقدير الآخرين"، عاداً إياها "غير قانونية ومخالفة للدستور الفلسطيني".
ورجّح أن يستمر عباس في سياسة التفرد، بهدف جعل السلطات الثلاث تحت سطوته وإطالة أمد حكمه في السلطة".
الخيارات المطروحة
وأمام هذا التفرد في القرار السياسي أكد البسوس ضرورة وجود خطة إستراتيجية لدى الفصائل لصد سياسة التفرد في الحكم وعدم الاكتفاء بإصدار بيانات الاستنكار والتنديد دون التنفيذ الفعلي.
وقال: "لا توجد قيادة سياسية من الفصائل تستطيع التواصل مع العالم، في حين أن (أبو مازن) يضع العراقيل أمامها وينوب عن الشعب الفلسطيني في قراراته".
من جانبه، علّق الكاتب والمحلل السياسي ذو الفقار سويرجو بالقول: "جميع الخطوات السابقة نفذها عباس بشكل غير قانوني"، مستدركاً: "إن كل ما سبق أصبح أمراً واقعاً، والأغرب أن الفصائل تتعامل مع هذا الواقع يومياً، والأكثر غرابة أنها لا تزال تخرج البيانات الرافضة دون أن يتغير شيء على الأرض".
وأكد سويرجو عبر صفحته على "فيسبوك"، أن المطلوب يتمثل في خطوتين، أولاهما: مطالبة حركة فتح بالوقوف في وجه رئيسها وكبح جماحه، والعمل على إعادة الحياة للنظام السياسي الفلسطيني.
واستدرك: "هذا الخيار ضعيف كون أعضاء اللجنة المركزية أدرجوا ضمن تركيبة أشرف عليها عباس".
أما الخيار الثاني، وفق سويرجو، فيتمثل بضرورة العمل على عزل عباس وتحميله مسؤولية توريط الشعب الفلسطيني في اتفاق أوسلو وملحقاته، وإضاعة 25 عاماً من مفاوضات التسوية، مشيراً إلى عدم وجود آلية قانونية للتصدي لعباس لا تمسّ بوحدانية تمثيل منظمة التحرير.