مضت خمس سنوات على أسر المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة جنودًا من جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال معركة "العصف المأكول" عام 2014، كان خلالها صانع القرار الإسرائيلي ينتهج سياسة التضليل والكذب على مجتمعه بشأن مصير الجنود خشية دفع ثمن باهظ.
على مدار تلك الفترة لم يقدم الاحتلال أي خطوة جادة في ملف الجنود الأسرى لأهداف انتخابية، بخلاف المقاومة الفلسطينية التي تطرقت للقضية في مناسبات عدة، أبرزها فيديو احتفال الجندي الأسير شاؤول أرون بعيد ميلاده في غزة، وليس آخرها خطاب الناطق العسكري باسم كتائب القسام "أبو عبيدة" أول أمس.
ويرى محللان سياسيان أن خطاب "القسام" يأتي ضمن تكتيك تفاوضي يمكن للمقاومة المراكمة عليه من أجل تحقيق صفقات جديدة.
مدير مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي علاء الريماوي، أوضح أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو استطاع طيلة الفترة الماضية اقناع المجتمع الصهيوني برواية موت الجنود، مشيرًا إلى أن الضغط على نتنياهو يعطي مساحة لإعادة الاعتبار من أجل إخراج أسرى قتلوا جنودًا إسرائيليين أو من تصفهم بأن "أيديهم لطخت بالدماء" كما جرى مع عشرات من الأسرى المحررين في صفقة وفاء الأحرار عام 2010.
وأوضح الريماوي لصحيفة "فلسطين"، أنه وبعد يوم من عملية الأسر صدّر الناطق باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي رواية الموت، وأن الجنائز التي تنطلق لدفن الجنود يجب أن تأخذ موافقة حاخامية صهيونية، التي أكدت موت الجنود من شواهد متاع الجنود التي عثر عليها.
ويرى أن خطاب أبو عبيدة، يطعن في الرواية الإسرائيلية، وموثوقية الموت التي تحدث بها الناطق باسم الجيش، والمقاومة تغلّب فريضة حياة الجنود الأربعة الذين لديها من خلال إشارة السهمين اللذين ظهرا في الصورة الخلفية لأبو عبيدة، وهما أيضًا المنهجية التي يمكن لنتنياهو البحث عنها لحل القضية.
وقال: "في الخطاب رسالة أخرى ارتبطت بالصورة والمقال، فالصورة دالة على أن بيد المقاومة ما يمكن أن تقوله والمسار محدد لديها، والمقال هنا هو كلام أبو عبيدة طعنًا في الرواية الإسرائيلية".
وزاد: "الخطاب يؤكد أن المقاومة تؤثر على بيئة الانتخابات من خلال أسر الجنود، وتناقض تعامل حكومة الاحتلال مع الجنود".
وحول تعاطي الاحتلال مع الخطاب، قال الريماوي: "الإعلام الإسرائيلي كان شديد التفاعل مع ما يصدر من المقاومة بما يتعلق بالأسرى، لكن بالأمس (خطاب القسام) كانت هناك رقابة مشددة على النشر وحظر التعاطي مع خطاب القسام لمدة 40 دقيقة، الأمر الذي يدلل على خشية إسرائيلية من تأثير خطاب المقاومة الفلسطينية على المجتمع الإسرائيلي".
حدية الخطاب
من جهته قال رئيس معهد فلسطين للدراسات الاستراتيجية إياد الشوربجي: "يأتي الخطاب ضمن تكتيك تفاوضي قد يراكم العمل باتجاه صفقة تبادل جديدة".
وأكد الشوربجي في حديثه لـ"فلسطين" أن الخطاب جاء بلون جديد وخيارات جدية، إما إنجاز هذه الصفقة أو إغلاق الملف نهائيًا كمصير الجندي الإسرائيلي "رون أراد".
ويرى أن الحدية في الخطاب تهدف للضغط على الساسة الإسرائيليين والمجتمع، وتحديدًا أهالي الجنود الأسرى من أجل الضغط على حكومة نتنياهو في التعاطي مع هذا الملف.
وأضاف: "كأن أبو عبيدة يشير إلى موقف محدد أمام حكومة الاحتلال، وأن المجال ليس مفتوحًا أمام نتنياهو والمسؤولين الإسرائيليين للمماطلة والتسويف من أجل تحقيق مكتسبات شخصية أو انتخابية".
ويعتقد الشوربجي أن خيارات الاحتلال في ملف الأسرى محدودة، إما بإنجاز صفقة تبادل تحقق أغراض الطرفين، وهي السبيل الوحيد لإنهاء هذا الملف بشكل واضح، أو أن يصبح الملف طي النسيان.
ومن رسائل الخطاب -وفقًا للشوربجي- إبراز العنصرية الإسرائيلية في عدم تعاطي الاحتلال مع ملف الجندي أبراهام منغستو ذو الأصول الاثيوبية، وهذا فيه لعب على وتر التناقضات الداخلية داخل المجتمع الإسرائيلي.
وتابع: "كذلك فيه رسالة طمأنة للأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، حيث جاء في هذا التوقيت الحساس، الذي يعيش فيه الأسرى أشكال المعاناة والاضطهادات التي يمارسها الاحتلال عليهم، مفادها بأن ملف الأسرى من أولويات المقاومة، وأنه حاضر دومًا في الأروقة السياسية، كما أنه يأخذ بعدًا موازيًا لتفاهمات كسر الحصار، وهذا يعطي دفعة معنوية للأسرى".