كانت ساعة زواج العريس المقدسي عدنان مهدي، من خطيبته بعد انتظار طويل بلغ سنة وستة أشهر، أو زد على ذلك قليلاً تكاد تحل، لولا هدم قوات الاحتلال الإسرائيلي المبنى الذي خطط للسكن فيه ودفع في سبيله أقساطا مالية باهظة.
بدأت حكاية مهدي (27 عاما)، عندما خطط للزواج ولجأ إلى الاتفاق مع أحد المقدسيين على شراء شقة في مبنى قيد الإنشاء، مرخص من السلطة الفلسطينية، قبل ثلاثة أعوام، في واد الحمص ببلدة صور باهر جنوب شرقي مدينة القدس المحتلة.
"عندما يخطب الإنسان يعطي موعدا للزواج، وأنا لا أستطيع العيش في منزل بالإيجار، لذلك كل تعبي وما جمعته من مال وضعته عند صاحب المبنى لشراء شقة"؛ يقول مهدي لصحيفة "فلسطين"، وكانت نبرة الحزن في صوته تشبه مأساة طالب علم للتو برسوبه دون وجه حق، رغم تحضيره الطويل للامتحانات.
عدّ مهدي الأيام والليالي عدًّا في انتظار تحقق حلمه، لكن الاحتلال عرقل البناء لمدة ثلاث سنوات ظل ينتظر خلالها.
وقبل عام ونصف خطب الشاب المقدسي إحدى الفتيات، على أمل أن ينتهي به المطاف إلى تسلم الشقة.
وبدلا من أن يكون المبنى في عهدة عمال البناء لإتمام تجهيزه، ظهر جنود الاحتلال وهم يتوزعون في طوابقه ويفخخونه تمهيدا لتفجيره، قبل أن تلتهمه النيران وتتفكك جدرانه وأعمدته، ويتحول إلى أثر بعد عين.
هدم الاحتلال المبنى ضمن 16 مبنى تضم عشرات الشقق السكنية، التي تقع ضمن الأراضي المصنفة "أ" و"ب" بموجب اتفاق أوسلو بين (إسرائيل) ومنظمة التحرير.
وهذا رغم خضوع المنطقة "أ" لسيطرة السلطة الفلسطينية أمنيا وإداريا، والمنطقة "ب" تحت سيطرتها إداريا، وهو ما يشكل مساحة تقل عن 40% من الضفة الغربية.
وبتفجير ذلك المبنى، ارتفع عدد البنايات التي هدمتها قوات الاحتلال في الحي حتى الاثنين الماضي، إلى 10 تضم نحو 70 شقة سكنية.
إنه "تطهير عرقي" لم تنته فصوله بنكبة 1948 عندما هجرت العصابات الصهيونية الفلسطينيين من أرضهم قسرا، بل يتكرر من جديد هذا العام 2019.
وبحسب مكتب تنسيق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، هدمت قوات الاحتلال منذ 2009، 69 مبنًى في صور باهر، أو أجبرت أصحابها على هدمها، بحجة افتقارها إلى رخص البناء، 46 مبنًى منها مأهولة أو قيد الإنشاء، وأسفر هدمها عن تهجير 30 أسرة، وهُجِّر نحو 400 شخص أو لحقت بهم أضرار أخرى بفعل عمليات الهدم.
شكل ذلك استفزازا للمقدسيين والفلسطينيين عامة، أصحاب الأرض الأصليين، فكيف سيكون حال المقدسي الذي كان يعقد أمله على السكن في هذا المبنى؟
فسخ الخطبة
ضاقت السبل بمهدي الذي بات بلا مقومات، فكان مصير خطبته التي طال أمدها، أن ينتهي بها المطاف إلى الفسخ.
لم يكن أمام الشاب، وهو عامل بناء، أي إمكانية لشراء شقة جديدة أو حتى استئجار منزل في ظل وضعه المالي الصعب.
فُسخت الخطبة؛ بعدما تفسّخ الأمل وتبدد، ولم يعد هدم المبنى احتمالا بل واقعا، وفقد مهدي كل الخيارات.
"لا ضل خطيبة ولا سكنة"؛ بات هذا هو حال مهدي الذي لا يملك سوى الوقوف على أطلال شقته المدمرة.
انهار حلمه شيئا فشيئا، فلم يستطع أن يعرض شقته الجديدة على أهل خطيبته كما كان يخطط عند الارتباط بها، ولم يستطع حتى تسلم تلك الشقة وإتمام الزواج بعد كل هذا الانتظار.
وما يزيد الطين بلة أن الظروف المادية التي تعصف بأسرة مهدي لا تسعفها لمساعدته.
نحو 150 ألف شيقل سددها مهدي أملاً في إنجاز حلمه الذي تبدد، ولم يكن مصير تعب أيام وليال وسنين إلا الضياع.
إنها مأساة يصعب استيعابها، وتقود هذا المقدسي إلى واقع قاس، فهو الذي سعى بكل ما أوتي من قوة إلى تجنب استئجار منزل، وصبر لسنوات حتى يجمع الأقساط ويؤسس لمستقبله، لكن ها هو يعود إلى نقطة الصفر.
"خليتها تستنى وفي الآخر ما زبط الموضوع"؛ مهدي الذي لا ذنب له فيما جرى يؤنب ضميره، مجسدا بتلك الكلمات وفاء لخطيبته السابقة.
لكن ما يشدد عليه العشريني، هو أن هدف الاحتلال في إصابة الشباب المقدسيين باليأس لن يتحقق، قائلا: "أعوذ بالله! لن نيأس، حتى لو سآكل الأخضر واليابس سأقف على قدمي من جديد، ولن أترك هذه البلاد".
ويتمنى مهدي لو حصل على تعويض مادي لشراء شقة، مؤكدا أن ذلك سيفتح له الباب واسعا لبناء مستقبله من جديد.
لكن دون هذا التعويض سيضطر إلى البدء من الصفر.