أكد خبيران مقدسيان أن هدم الاحتلال الإسرائيلي، أمس، عشرات المنشآت السكنية في منطقة وادي الحمص بالقدس المحتلة، هو ثاني أكبر عملية هدم وتهجير تطال المقدسيين منذ احتلال القدس إبان نكسة 1967، مشيرين إلى أن مخططات التهجير تهدف بالدرجة الأولى إلى تعديل الميزان الديموغرافي لصالح المستوطنين اليهود.
وذكر الخبيران أن مخطط المشروع له مزايا استيطانية من وجهة نظر الاحتلال، حيث سيتم استكماله في باقي الضواحي المقدسية من أجل توفر مساحات لإقامة مشروع استيطاني لمتقاعدي جيش الاحتلال، منوهين إلى أن الذرائع الأمنية التي استخدمها لاحتلال لهدم تلك المنشآت غير موجودة، إذ إن تلك المنطقة ليست عسكرية أو مصنفة على أنها متوترة أمنياً.
واستيقظ الفلسطينيون أمس على نكبة جديدة شنتها أسنة جرافات الاحتلال التي أُعملت هدماً وتدميراً بعشرات المنشآت السكنية والتجارية في منطقة وادي الحمص في بلدة صور باهر المقدسية، حيث أسفرت عمليات الهدم عن تشريد آلاف المقدسيين القاطنين في تلك المنطقة، فيما عمّ الدمار وانتشرت أكوام الركام في شوارع البلدة الحزينة.
ذرائع أمنية
وقال عضو لجنة الدفاع عن أراضي وعقارات سلوان في القدس المحتلة، فخري أبو دياب، إن الاحتلال نشر أجواء الحرب خلال عمليات الهدم تمثلت في فرض حصار مشدد في بلدة صور باهر وإعلانها منطقة عسكرية مغلقة ومنع الدخول إليها.
ولفت أبو دياب في حديثه لصحيفة "فلسطين"، إلى أن قوات الاحتلال نجحت في استصدار قرارات من محاكمها بوقف البناء وهدم ما يزيد على 237 شقة، وبدء التنفيذ بهدم 16 منشأة تضم نحو 100 شقة سكنية في منطقة صور باهر، بزعم أن تلك المناطق تشكل خطرا أمنيا على النقاط العسكرية التي بناها الاحتلال ضمن جدار الفصل العنصري.
وأشار إلى أن السلوك الإسرائيلي باستهداف ضواحي القدس مثل صور باهر وعناتا وأبو ديس والرام وغيرها، يهدف بالأساس إلى رفع عدد السكان اليهود في المدينة المحتلة بحيث تكون كفة الميزان الديموغرافي مائلة لصالح المستوطنين.
وشدد أبو دياب على أن هذه المخططات تعد مرحلة متقدمة من مراحل تهويد المدينة المحتلة، مؤكداً أن ما يحدث حاليا هو الجزء التالي للخطوة التي قام خلالها الاحتلال عام 2007 ببناء مجموعة من المستوطنات في منطقة جبل أبو غنيم المتاخم لصور باهر.
وبيَّن أن المعركة بين المقدسيين والاحتلال غير متكافئة، إذ إن المقدسيين لا يمتلكون أوراق قوة مادية تعينهم على الاستمرار في هذه المعركة وحدهم، داعياً إلى تعزيز صمودهم وإسناد دورهم ورباطهم في الأرض المقدسة.
ونفى أن يكون الاحتلال بحاجة إلى ذرائع أو أسباب لاستمرار ممارساته الإجرامية بحق المقدسيين، مؤكداً أن الاحتلال في سباق محموم مع الزمن لتهويد القدس وطرد سكانها وإحلال المستوطنين فيها.
ولفت إلى أن الاحتلال يمنع المقدسيين مع إعادة بناء بيوتهم أو التعمير فيها، ويهدد المخالفين بدفع الغرامات المالية الباهظة وهدم البيوت، قائلًا: إن سلطات الاحتلال لا تكترث سوى لإرضاء المستوطنين والمتطرفين في الشارع الإسرائيلي، على حساب المقدسيين.
وأوضح أن الظروف الدولية المحيطة بالفلسطينيين عامة والمقدسيين خاصة، تشجع الاحتلال على مواصلة سياساته التهويدية والتهجيرية بحق المقدسيين.
نكبة ثانية
وأكد خبير الخرائط والاستيطان في "بيت الشرق" بالقدس، خليل التفكجي، أن معظم هذه المنشآت المهددة بالهدم مقامة على أراضي السلطة الفلسطينية، ولديها أذونات البناء اللازمة من الحكم المحلي الفلسطيني صاحب الصلاحية بمنح التراخيص، كونها أقيمت على أراضي السلطة ومصنفة حسب اتفاقيات أوسلو بمناطق "أ، ب".
واعتبر التفكجي في حديث لـ"فلسطين"، هدم الاحتلال المباني في حي وادي الحمص واستمراره في الهدم، نكبة ثانية وأكبر عملية هدم بعد مجزرته في حي المغاربة وإزالته للحي بالكامل عام 1967.
وأوضح أن مساحة الأراضي التي قامت سلطات الاحتلال بهدم المباني المقامة عليها، أمس، قد بلغت نحو 300 دونم، منبهاً إلى أن تلك المساحات ستبقى ضمن السيطرة الاستيطانية بذرائع أمنية واهية.
ونوه إلى أن حكومة الاحتلال تسعى من وراء عملية الهدم هذه إلى ترسيخ قضية التحكم الديموغرافي في داخل مدينة القدس بمعنى الأغلبية اليهودية، وليست كما تدعي لأسباب أمنية أو لقربها من أماكن التماس مع الاحتلال.
وبيّن أن الصراع مع الاحتلال منذ بدايته كان صراعاً على الأرض والسكان، لافتاً إلى أن الهدف الأساس للحركة الصهيونية هو الاستيلاء على أكبر مساحة ممكنة من أرض فلسطين واستعمارها بأكبر عدد ممكن من المستوطنين اليهود القادمين عبر موجات متلاحقة من المهاجرين.
مخططات تهجير
وبيَّن أن مدينة القدس تشكل لب الصراع الديموغرافي بالنسبة للاحتلال؛ نظراً لمركزيتها في التفكير الصهيوني الاحتلالي، منوهاً إلى أن الاحتلال قام بسلسلة من الممارسات العدوانية تجاه الفلسطينيين لمنعهم من التفوق ديموغرافياً.
وذكر أن من بين تلك الممارسات طرد أعداد كبيرة من سكان المدينة بعملية ترانسفير واسعة بحيث تظل نسبة الفلسطيني أقل من 25% من عدد السكان الكلي، إضافة إلى هدم المنازل وإغلاق المؤسسات وحصار المدينة اقتصادياً وخنق قطاعات المدينة المختلفة، وخاصة قطاعات التعليم والصحة والسياحة والثقافة والشباب وغيرها، لدفع المقدسيين إلى هجر المدينة والإقامة في أطرافها على الأقل، خارج ما يطلقون عليه حدود بلدية القدس.
وشدد على أن الصراع للبقاء في القدس هو عنوان العمل الفلسطيني للمحافظة على صمود الإنسان والمؤسسات والهيئات الشعبية والدينية، وأن النجاح في معركة القدس بحاجة إلى مقومات صمود وعمق عربي وإسلامي، وتوفير موازنات اقتصادية تدعم صمود الحياة وتوفر مستلزمات النمو الفلسطيني فيها.