فلسطين أون لاين

​لا تقترب من نافذة ولا تلبس "فانيلة" فحريتك تنتهي عند حرية الآخرين..

هذا حق الجار بستر أهل بيته عن عيون "الحرّانين"

...
صورة تعبيرية
غزة - خاص / فلسطين أون لاين

هذه هي المرة الألف التي يسمع فيها أهالي الحي نفس الأسطوانة :"يا أخي، إنت ما بتستحي؟، ما عندك بنات في دارك؟ ولك إيش أعمل معاه يا ناس حد يدلني؟".. هكذا يصرخ أبو عبد الله الذي يقطن منطقة الشيخ رضوان غرب مدينة غزة كلما لمح جاره الثلاثيني "سعيد" يحوم فوق سطح منزله الذي لا تفصل بينه وبين منزل الأول إلا مسافة متر!

"سعيد" الذي يجد في سطح منزله متنفساً في أيام الصيف الحارة، لا يلقي بالاً أبداً إلى أن سطحه ذاك يكشف دار "أبي العبد" كلها! هو يصعد إلى هناك ليعانق نسمات الهواء العليل، وجيرانه يختنقون حراً بسبب إغلاقهم النوافذ خشية أن تكشفهم عيونه، حتى ولو من غير قصد.

حاول أبو العبد محادثته بكافة الطرق، الهدوء والعصبية، وأرسل إليه وساطاتٍ كثيرة لعله يرتدع، لكن ردّه في كل الحالات كان واحداً :"هذه داري وأنا حرٌ فيها".. ويتخيل أهالي الحي أن يأتي يومٌ يمكن لأبي العبد أن يفقد فيه أعصابه فيؤذي جاره أذيةً قد تدخله السجن سيما وأن الأخير شاب، وفي بيت الأول فتياتٌ مراهقات وطالبات جامعة..

إن لأداء حقوق الجار وحسن الجيرة أثرا كبيرا في استقرار المجتمع، ولكن –بعض الجيران- يا للأسف، لا يلقون بالاً لوصايا الشرع والعرف التي تحدد أساسيات التعامل مع الجار.. فترى بعضهم يعتدي على حقوق بعض! هذا يترصد لذاك، وآخر يلقي من شرفته قمامة بيته لتصل إلى شرفة القاطنين تحته، وثالثٌ يتعمد أذية جاره "غيرةً أو حسداً ربما" بكسر زجاج سيارته أو نوافذ بيته.. وهذا كله "بسيط" مقابل أن يجد الإنسان نفسه محاصراً داخل بيته بعيون "جاره" الذي يوازيه في الطابق! اليوم نتحدث عن "حق الجار في الصيف"! نعم، حقه في حرية الحركة داخل بيته بعيداً عن عيون المتربصين و"الحرّانين"، سيما وأن الحرارة بدأت ترتفع..

سهرات الصيف

والصيف بالنسبة لعائلة "فادي" الأب لثلاثة أبناء يعني فقط "المشاكل"! فالمعضلة هذه المرة لا تكمن في صعود أحد أبناء الجيران الشباب إلى سطح بيتهم الذي يطل مباشرةً على نوافذ بيته مرةً أو مرتين خلال النهار وحسب.. بل هي أكبر من ذلك بكثير.. المشكلة هي احتلال العائلة كلها بشيبها وشبانها "سطح الدار" خلال الإجازة الصيفية مع أولى ساعات العصر حتى ساعات الفجر.. يجلسون تحت عريشةٍ نباتية، يشربون النرجيلة، ويتبادلون أطراف الحديث والضحكات الصاخبة.. وهو الأمر الذي لطالما سبب مشكلاتٍ بين العائلتين..

"فادي" الذي فقد الأمل باحترام جيرانه لحق جيرته، صار يغلق نوافذه "صيفاً" خشية أن يكشف شباب عائلتهم حياته وزوجته الشابة..

يقول :"مرةً وجدتُ أحدهم يواجه نافذة غرفة نومي وكان يرتدي فانيلة قطنية! بعد المشهد جن جنوني فلم أدخر كلمةً إلا وشتمته بها، ولما رأيته في الشارع بعدها بيومٍ تعاركنا وحاولت أن أشهّد الناس على حالي، وجدت بعض التعاطف ولكن معظمهم آثر عدم التدخل خصوصاً وهو يعرف عائلة جيراني (مشكلجية).. ولهذا أنا ما زلت أعاني وصدقاً أحاول البحث عن بيتٍ آخر أستأجره بشرط أن تتباعد فيه البيوت عن بعضها البعض".

نطاق الحرية

يقول د.درداح الشاعر رئيس مركز التدريب المجتمعي وإدارة الأزمات بغزة :"لو أحسن كل جارٍ إلى جاره لعاش الجيران أسرةً واحدة يغشاها الحب والتفاهم".

والجار حسب وصية النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، هو القريب من المسكن، وقد روى القرطبي مرةً أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يشكو جاره، فأمر أن ينادى على باب المسجد "ألا إن أربعين دارا جاراً".. وقال الزهري : "أربعون هكذا، وأربعون هكذا، وأربعون هكذا، وأومأ إلى أربع جهات".

ويرجع د.الشاعر مشاكل الجيران في الأساس إلى التربية في الصغر، "فلو علّم كل أب أبناءه حقوق الجار على الجار كما أوصى بها الشرع والعرف، لشب جيلٌ يضع لنفسه الحدود دون أن يدله عليها أحد"، معقباً :"تحديداً في موضوع الستر، تنتهي حرية الإنسان إذا مست بحرية الآخرين، وحتى لو كان الشخص يقف ضمن حدود بيته فلا يؤذي بوقفته أو نظرته أهل بيت جاره، ولا يرتدي ما يؤذيه، فإن فعل يصبح هنا المسئول الأول عن خطأ لا يقبله عاقل".

وفي الصيف تحديداً (والحديث للدكتور الشاعر) يستنجد كل بيت ببعض نسمات الهواء التي تدخلها إليه نوافذه سيما في ظل ذلك الانقطاع المؤرق للكهرباء، متسائلاً :"كيف يهنأ لأحدهم بال وهو يعرف أنه استحوذ على خير الله (الهواء البارد) لنفسه، في حين أن وجوده واقفاً على النافذة، أو حتى فوق سطح داره الذي يكشف دور جيرانه، حرم أهل البيوت التي تحيط به من أن ينعموا ببعضٍ من تلك النسمات؟".

وعقب بالقول :"ليس ممنوعاً للإنسان أن يبحث عن متنفس له ومهرباً من حر الصيف ولكن بضوابط تحفظ حقوق جيرانه، فلا يقترب من أطراف السطح مثلاً، ويختار منطقةً وسطاً، ولا يتمادى في السهر والحديث في وقتٍ يجدر بجيرانه النوم فيه، ولا يقف على النوافذ إلا لغرضٍ لا يحتمل التأخير ولا يرتدي ما يفضح عورته أو يحرج أهل بيت جيرانه"، وفي الحديث المتفق عليه يستشهد بحديث النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه".