من السيناريوهات المطروحة والتي تطفو على السطح بين الحين والآخر هو فرض مشروع الوطن البديل، وسابقا تسليم الضفة الغربية للأردن وقطاع غزة لمصر، وهي سيناريوهات مرفوضة وطنيا وعربيا، لأنها ببساطة تعني التضحية بكل المنجزات التي تحققت، وضياع قرن كامل من الكفاح الوطني هباءً منثورا.
من جديد يخرج علينا المدعو جاريد كوشنر كبير مستشاري الرئيس الأميركي، دونالد ترامب وصهره، في مؤتمره الصحفي يوم الأربعاء، حيث ألمح إلى أن ما تسمى بـ"صفقة القرن" الأميركية تسعى إلى ما أسماه «تحسين» وضع اللاجئين الفلسطينيين من خلال توطينهم في الدول التي يتواجدون فيها، ومحاولته مقارنة اللاجئين الفلسطينيين الذين طردوا من وطنهم قسرا من قبل العصابات الصهيونية المسلحة، وعبر مذابح يندى لها الجبين باليهود العرب الذين عملت الصهيونية كل ما بوسعها لتهجيرهم من بلدانهم إلى فلسطين، وتهجّمه على القيادة الفلسطينية ووصف ردها على الانحياز الأميركي المطلق للاحتلال الإسرائيلي غير المشروع بأنه «هستيري» وأنها «ارتكبت خطأ استراتيجيا» بمقاطعتها ورشة المنامة التي خطط لها مع عتاة المتطرفين من قادة الاحتلال وإدارته لتصفية القضية الفلسطينية، هذه التصريحات تثير السخرية وتستدعي أشد عبارات الشجب والاستنكار وتكشف عن غباء وجهل مطلق بحقوق الشعب الفلسطيني، كما تكشف عن عداء هذه الإدارة الاميركية للمواثيق والقرارات الدولية بما فيها قرارات لمجلس الأمن صوتت الادارات الاميركية السابقة لصالحها.
منذ أن تفجر الصراع لم تدخر الحركة الصهيونية جهدا في سبيل الاستيلاء على الأرض الفلسطينية، واقتلاع سكانها وتهجيرهم، وبشتى الأساليب، ففي مرحلة ما بعد النكبة، كان الخطر الأكبر الذي يتهدد الشعب والقضية هو مؤامرات الدمج، والتوطين، والإذابة، وطمس الهوية الوطنية، أي اقتلاع الشعب الفلسطيني من جغرافية المنطقة، ومنع أي حضور سياسي له، وتحويل القضية الفلسطينية إلى قضية لاجئين ورفضت سلطات الاحتلال ولعقود طويلة الاعتراف بوجود كيان سياسي اسمه “الشعب الفلسطيني”، وظلت تتجاهل وجوده، وتتعامل معه ككتل سكانية، إلى أن اضطرت للاعتراف به على إثر تغيرات سياسية جذرية وعميقة ضربت المنطقة برمتها بدءاً من تسعينات القرن الماضي، وأصابت الحركة الصهيونية، وجعلها تغير في إستراتيجياتها، كما أصابت الإستراتيجية الفلسطينية بنفس الوقت. تلك التغيرات ترجمتها اتفاقية أوسلو.
فقد ظلت الإستراتيجية الصهيونية تبحث عن أي بدائل أو مشاريع تفضي إلى نفي الشعب الفلسطيني وحل قضيته دون أن تنسحب من الأراضي المحتلة، ومن بين أهم هذه الخيارات مشروع الوطن البديل، حتى جاءت الإدارة الأمريكية الحالية التي تعتبر من أكثر الإدارات الامريكية صهيونية وعنصرية وانحيازا وولاء على الإطلاق فعملت على تصفية قضية حق العودة للاجئين الفلسطينيين وهي بذلك قد عملت على تثبيت ما اقدم عليه الاحتلال والعصابات الصهيونية بتهجير الفلسطينيين من بيوتهم وارضهم ووطنهم.
فالسيناريوهات المطروحة لا تعتمد على الأردن فقط؛ فهناك تسريبات (غير مؤكدة) عن مخططات لإقامة وطن بديل للفلسطينيين في سيناء. وهناك مخاوف من ضم القطاع إلى مصر، وهو بالحقيقة مسعى إسرائيلي قديم يريد إلقاء غزة في حضن مصر، وهو الأمر الذي رفضته مصر بشدة، الأردن يرفض الوطن البديل ليس لأنه يتخوف من أي تغييرات فجائية في التركيبة الديموغرافية للبلد وحسب، بل لأن مثل هكذا حل سيكون على حساب الأردن، دولة وكيانا. أما مصر فلا مصلحة لها في ضم قطاع غزة إلى نظام حكمها، لأنها ستكون بذلك كمن يجلب الدب إلى كرمه.
مشروع الوطن البديل سواء كان تهديدا جديا، أو كان مجرد فزاعة، يستوجب التصدي له بحزم، بانتهاج كل الأساليب والأدوات على كل الصعد الفكرية والسياسية والإعلامية والكفاحية، وإجهاضه قبل أن ينمو ويكبر ويصبح أمرًا واقعياً، ومن خلال تجديد وتفعيل كل المرجعيات الدولية التي توفر إطاراً عاماً لحل القضية الفلسطينية وبمزيد من التنسيق الفلسطيني العربي، ونبذ حالة الانقسام الفلسطيني التي توفر الذرائع والمبررات لهذه الخيارات.
فمشروع الوطن البديل إذا ما تم سينهي الحقوق الفلسطينية في إقامة دولة فلسطينية، وسيلغي حق تقرير المصير، وسيعمل على تثبيت الاحتلال، وبقاء المستوطنات، وسيلغي نهائيا حق اللاجئين الفلسطينيين في عودتهم إلى أراضيهم وديارهم عام 1948. والخطر الحقيقي يهدد الأردن أيضا، لأنه سيؤدي إلى تغوّل واستفراد الاحتلال في الأردن، ومن ثم فرض هيمنتها المطلقة على كل دول المنطقة.
إن تجاهل الأمريكان لجوهر القضية الفلسطينية، ونظرتهم السطحية لها، أو أن تتحول هذه الأطروحات مع الوقت إلى إستراتيجية أمريكية رسمية بدلا من مناقشة المبادرات الدولية والإقليمية التي تُطرح لحل القضية الفلسطينية، من منطلق أن هناك احتلالاً إسرائيلياً ينبغي أن ينتهي، ومن منطلق أن هناك حقوقا للشعب الفلسطيني ينبغي التعامل معها، وأيضا من منظور قرارات الشرعية الدولية وما تتطلبه عملية بناء سلام واقعي وعادل في المنطقة، كل هذا التجاهل والانخراط الأمريكي في مشاريع صهيونية لتصفية قضية الشعب الفلسطيني يعني أن الإدارة الأمريكية شريك رئيسي مع الاحتلال في جريمة الترانسفير للشعب الفلسطيني وسيبقى وصمة عار على جبينه إلى أبد الآبدين.